حمزة الوهابي- مدير نشر جريدة شمالي
لم يكن مشهد تحوّل مشروع «قصر الضيافة» (ما يعرف بقصر الكرملين) ببوسكورة بإقليم النواصر إلى أكوام من الحطام حدثاً عادياً. كثيرون رأوه صدمة، وآخرون اعتبروه “فضيحة عمرانية”. لكن الحقيقة الأعمق أن ما جرى يشكّل لحظة مفصلية في علاقة الدولة بالمستثمرين الكبار والمسؤولين الترابيين، ورسالة واضحة مفادها: زمن التساهل مع خرق القانون انتهى.
فبعد خمس سنوات من الأشغال، ومليارات صُرفت، وهندسة فاخرة كانت تستعد لفتح أبوابها، جاء قرار الهدم ليعيد الجميع إلى نقطة أساسية ظلّت تُهمل لسنوات:
لا يمكن بناء دولة تحترم القانون… مع مشاريع لا تحترم رخصها
مشروع ضخم… لكنه بلا شرعية عمرانية
المعطيات التي حصلت عليها “شمالي” تؤكد أن المشروع أُقيم فوق أرض فلاحية يمنع تصميم التهيئة إقامة منشآت سياحية عليها. الرخصة سُحبت سنة 2022، ومع ذلك واصل صاحب المشروع الأشغال، وكأن المسألة مجرد شكليات أو أن “التفاهمات” يمكن أن تغطي على الوثائق.
وبقاؤه كان سيعطي إشارة خطيرة: أن من يملك المال والنفوذ قادر على فرض مشروعه على الدولة مهما كانت الخروقات.
بل إن السماح للمشروع بالاستمرار كان سيخلق حالة “عدوى عمرانية” داخل بوسكورة، إذ ستطالب عشرات العقارات المجاورة بالمعاملة نفسها:
لماذا يُسمح لفلان ولا يُسمح لغيره؟
وهو ما كان سيُفقد الدولة قدرتها على ضبط التهيئة، ويفتح الباب للفوضى المقنّعة بلباس الاستثمار.
قرار الإلحاق… إشارة إلى أن التراخي الإداري انتهى
قرار عامل إقليم النواصر جلال بنحيون بإلحاق باشا بوسكورة وقائد المنطقة بالعمالة بدون مهمة ليس عقوبة بسيطة. إنها رسالة قوية للإدارة الترابية مفادها أن التراخي، أو التغاضي، أو ترك الملفات تسير بـ”التي هي أحسن”، لم يعد مقبولاً.
فالخروقات لا تتم من تلقاء نفسها.
ولا تستمر الأشغال خمس سنوات إلا بوجود مسؤولين أغلقوا أعينهم أو “سكتوا” عن أشياء لا يجوز السكوت عنها.
إن ترتيب المسؤوليات هنا ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية هيبة الدولة ولمنع تكرار ما وقع.
القانون لا يُطبق فقط على الضعفاء
ما وقع في بوسكورة يعيد إلى الأذهان إلى فضيحة المشاريع السياحية بتغازوت بأكادير ، و“قصر مجسمات الأسد” بسلا، وغيرها من المشاريع التي حاول أصحابها الالتفاف على القانون تحت مسمى الاستثمار.
وتلك الملفات كلها تطرح سؤالاً واحداً: هل يمكن أن يكون الاستثمار وسيلة لتجاوز قانون التعمير؟
الجواب الذي قدمته السلطات هذه المرة كان واضحاً وصريحاً:
لا.
هذه المرة لم يربح المال والنفوذ.
ربح القانون.
ضرورة محاسبة من سهّل ومن تغاضى
الهدم وحده لا يكفي.
المحاسبة الإدارية والقانونية لمن سهّل هذه الخروقات أو لم يقم بواجبه هي الخطوة الثانية الضرورية. ليس من باب الانتقام، بل من باب الحكامة وخلق نموذج يُحتذى به داخل الإدارة الترابية:
حتى لا يعتقد مسؤول اليوم أن ما لا يُرى… لن يُحاسَب.
وحتى يدرك كل مسؤول غداً أن التوقيع على رخصة، أو غض الطرف عن أشغال غير قانونية، يمكن أن يُسقطه قبل أن يُسقط المشروع نفسه.
دولة تُعيد ترتيب قواعد اللعبة
ما يحدث اليوم في بوسكورة ليس مجرد هدم لمشروع ضخم، بل بداية مرحلة جديدة في علاقة الدولة بالمجال العمراني:
قانون التعمير لم يعد حِبراً على ورق.
الرخص الفلاحية لم تعد مدخلاً للتحايل.
المسؤولون لم يعودوا في مأمن من المحاسبة.
المستثمرون الكبار لم يعودوا فوق المساءلة.
إنه درس واضح للجميع:
الهندسة مهما كانت فاخرة لا يمكنها أن تُخفي خرق القانون.
والدولة التي تغضّ الطرف مرة… ستنهار أمام مئات الحالات.
أما الدولة التي تتدخل اليوم بقوة، فهي تضع أساساً جديداً لمجال عمراني نظيف، عادل، ومتوافق مع القانون.
وهذا—في الحقيقة—ما كان ينتظره المواطن منذ سنوات.









