أيمن الزبير
في سبتة، تبدو الأرقام أكثر بلاغة من الخطابات. مدينة صغيرة على تخوم المتوسط، لا يتجاوز سكانها 83 ألف نسمة، لكنها تحمل فوق كتفيها ثِقلاً اقتصادياً واجتماعياً أكبر بكثير من حجمها الجغرافي. هنا، لا يختلف الإحصاء عن الواقع؛ بل يكشفه بلا رتوش.
نسبة البطالة تصل إلى 27%، أي أكثر من ضعف المعدل الوطني الإسباني. وهي ليست مجرد نسبة تُدوَّن في تقارير المعهد الوطني للإحصاء، بل حقيقة تترجم في شوارع المدينة: بطالة طويلة الأمد، فرص محدودة، واعتماد متزايد على برامج التشغيل المؤقتة. فخطط التشغيل التي توفر نحو 455 وظيفة باتت جزءاً من البنية الاجتماعية لسبتة، لا ترميماً ظرفياً.
ورغم ضيق السوق، يرتفع حضور القطاع العمومي إلى مستوى غير مألوف في المدن المماثلة. فهنا 9,656 موظفاً حكومياً يتوزعون بين قطاعات الأمن والدفاع والتعليم والصحة. ومن بين هؤلاء:
• 1,200 من الشرطة والحرس المدني
• 3,186 عسكرياً
• 1,602 موظفاً في قطاع التعليم
• 137 طبيباً فقط و150 ممرضاً لخدمة مدينة تفوق حاجاتها الصحية إمكانياتها الحالية
تبدو سبتة، في نهاية المطاف، مدينة تشتغل فيها الدولة أكثر مما يشتغل فيها الناس. فالمسجَّلون في الضمان الاجتماعي لا يتجاوزون 23,653 شخصاً، رغم أن عدد الذين هم في سن العمل يناهز 66,958. إنها مفارقة تختصرها معادلة بسيطة: ثلث السكان فقط من القادرين على العمل يدخلون فعلياً في الدورة الاقتصادية.
ولا تنتهي المفارقات هنا. فسبتة، التي تعاني هشاشة في سوق العمل، تحمل فوق ذلك واحدة من أعلى المديونيات للفرد الواحد في إسبانيا. فكل مواطن، نظرياً، مُثقل بـ2,042 يورو من الدين البلدي، وفق الأرقام الرسمية للقطاع العام المحلي. وهو رقم لا يضع المدينة فقط في خانة البلديات الأكثر مديونية، بل يجعلها تقف جنباً إلى جنب مع حالات استثنائية مثل مدن لوس باريوس وخيريث وخاين. والأسوأ أن المدينة ستوجّه 27 مليون يورو سنوياً لسداد القروض بدل توجيهها لتحسين الخدمات أو تحديث البنية الصحية أو خلق فرص الشغل.
وإذا كان الاقتصاد يعاني ضيقاً، فإن المدرسة لا تبدو في حال أفضل. فبينما وصلت نسبة الهدر المدرسي في إسبانيا إلى أدنى مستوى تاريخي: 13% سنة 2024، تعيش سبتة واقعاً مختلفاً تماماً. فالهدر المدرسي فيها من الأعلى على مستوى البلاد، وهي ظاهرة تتغذى من الهشاشة الاجتماعية وغياب أفق مهني واضح للفئات الشابة. مدارس مكتظة، تفاوتات صارخة، تحولان الفقر التعليمي إلى فقر بنيوي يعيد إنتاج نفسه جيلاً بعد آخر.
هذا الاختلال البنيوي يحول المدينة إلى اقتصاد إداري–عسكري أكثر منه اقتصاداً منتجاً. فالمجالات القادرة على خلق الثروة محدودة، والمساحة الجغرافية خانقة، والموقع الحدودي يجعلها أقرب إلى نقطة مراقبة أوروبية منها إلى ورشة اقتصادية مكتملة.
في سبتة، تعيش الأرقام جنباً إلى جنب مع الناس. والأرقام لا تكذب.







