هدى المساوي
يبدو أن الكرة الأرضية تحتاج أحياناً إلى وقت طويل جدًا كي تفهم أبسط الحقائق، فبعد خمسين سنة من الاجتماعات والبيانات والتقارير والمبعوثين الذين غيروا مقاعدهم أكثر مما غيروا مواقفهم، يخرج علينا مجلس الأمن أخيراً ليقول بملء الفم :
“خطة الحكم الذاتي المغربية هي الأساس الواقعي والجاد لحل قضية الصحراء.”
ياله إكتشاف مذهل يستحق جائزة نوبل في “إعادة إكتشاف البديهيات”.
كأن العالم قرر فجأة أن يعترف بأن الشمس تشرق من الشرق وأن الرمل مغربي أيضاً.
نحن المغاربة لم نكن ننتظر اعترافاً، بقدر ما كنا ننتظر أن يفهم الآخرون أن الجغرافيا لا تتغير بالتصويت، وأن الانتماء لا يُقاس بعدد الاجتماعات، بل بنبض الأرض، بذاك الشعور الخفي.
لكن لا بأس، العالم يحب أن يتأخر قليلًا، إنه كالضيف الذي يصل للحفل بعد أن انتهى العشاء، ثم يقول بكل ثقة : “جئت في الوقت المناسب.”
ولأننا شعب يعرف فن الانتظار، لم نغضب ! جلسنا بهدوء، شربنا شاياً بالنعناع، لأننا نعرف قيمة الصبر، ولأننا من إخترعنا الانتظار الأنيق : ننتظر القطار الذي لا يأتي، وننتظر الإصلاحات التي تسافر بلا عودة، وننتظر العالم حتى يعترف بما نعرفه بالفطرة.
اليوم، حين تتحدث الأمم عن “الحكم الذاتي”، نحن لا نرى في ذلك منّةً، بل إعترافاً متأخراً بما صنعناه نحن بعقلنا وصبرنا.
نحن من إنتصرنا بالبرهان لا بالصراخ، بالعمل لا بالشعارات، وبالإصرار الذي يشبه صمت الأطلس !صمت لا يضعف، بل يتراكم حتى يصنع الزلزال.
والمفارقة ؟
أن الذين شككوا في مغربية الصحراء طوال عقود،
سيجلسون الليلة أمام الأخبار، ويهزون رؤوسهم بتفلسف عميق قائلين : “لقد كنا نعلم أن هذا سيحدث.”
طبعاً كنتم تعلمون — بعد أن قلناها نحن ألف مرة.
الجميل في الأمر أن هذا القرار لا يُعيد الصحراء إلى المغرب، لأنها لم تغادره أصلاً، بل يُعيد بعض العقول إلى مواقعها الطبيعية، كأن العالم أخيراً ضبط بوصلة الحقيقة بعد أن كانت تائهة في رمال السياسة.
الصحراء لم تكن قضية تراب، بل قضية وعي ! وحين يفهم الوعي طريقه، لا تعود الحروب ضرورية، يكفي أن تبتسم الأرض، وتقول : “ها أنا كما كنت.”
في النهاية، ليست الصحراء من عادت إلينا، بل نحن من عدنا إلى يقيننا الأول.
عدنا إلى تلك الفطرة التي كانت تعرف — دون وثائق ولا قرارات — أن الأرض لا تنتمي إلا لمن يحبها حقاً.
وهكذا تبقى الصحراء أكثر من مجرد أرض، تبقى حكاية أولئك الذين آمنوا بها قبل أن يقرأها التاريخ.









