يشهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في البحث عن كلمة “ADN” على الإنترنت، بالتزامن مع جدل واسع حول استخدام اختبارات الحمض النووي في مجالات العدالة، وإثبات النسب، والتحقيقات الجنائية. فما الذي يقف وراء هذا الاهتمام المتجدد؟ وما هو الإطار القانوني الذي ينظم هذه التقنية الدقيقة في البلاد؟
بين المختبر والقانون… أين يقف المغرب؟
منذ إدخال التحاليل الجينية إلى منظومة العدالة المغربية في مطلع الألفية، أصبحت اختبارات الـADN أداة علمية حاسمة في كشف الحقيقة، خاصة في القضايا الجنائية المتعلقة بالقتل، الاغتصاب، أو تحديد هوية الجثث.
لكن الجدل الحقيقي ينطلق عندما يتعلق الأمر بـ إثبات النسب (الأبوة). فبينما يعتبر العلماء أن التحليل الجيني يمنح نتائج شبه مؤكدة (بنسبة دقة تفوق 99.9%)، يرى القانون المغربي – المستند إلى مدونة الأسرة – أن النسب لا يُثبت إلا في إطار الزواج الشرعي، مما يجعل نتائج الـADN غير معترف بها في حالات الأبناء المولودين خارج الزواج.
جدل مدونة الأسرة: الحقيقة العلمية في مواجهة النص الشرعي
خلال الأشهر الماضية، عاد موضوع الـADN بقوة إلى واجهة النقاش العام مع المداولات الجارية حول إصلاح مدونة الأسرة.
عدد من الجمعيات الحقوقية والباحثين طالبوا بضرورة اعتماد اختبار الـADN كوسيلة لإثبات النسب، حمايةً لحقوق الأطفال ودرءًا للظلم الذي يطال الأمهات العازبات.
في المقابل، هيئة العلماء وبعض الفقهاء يرون أن إدخال هذه التقنية في مسائل النسب قد يفتح الباب لتأويلات شرعية معقدة، معتبرين أن الأصل في النسب هو “الفراش الشرعي” لا التحليل المخبري.
الـADN في التحقيقات الجنائية: ثورة صامتة
بعيدًا عن السجال الاجتماعي، يعرف مجال التحليل الجنائي للحمض النووي تطورًا كبيرًا في المغرب.
فقد تمكنت المختبرات المتخصصة التابعة لـ المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) من فكّ لغز عشرات القضايا المعقدة عبر تحليل البصمات الجينية، ليصبح المغرب من أوائل الدول الإفريقية والعربية التي تعتمد قاعدة بيانات وطنية للـADN.
وفي قضية عين عودة الشهيرة، مثلاً، كانت نتائج التحاليل الجينية حاسمة في تأكيد تفاصيل الجريمة وقرابة الأبوة، وهو ما أثار موجة اهتمام شعبي غير مسبوقة بموضوع الـADN.
ما بين العلم والدين… ضرورة حوار هادئ
يرى العديد من الخبراء أن التصادم بين المنطق العلمي والمرجعية الدينية ليس قدَرًا محتومًا، وأن الحل يكمن في إطار قانوني متوازن يضمن حقوق الأفراد دون المساس بثوابت المجتمع.
فالتحليل الجيني يمكن أن يكون أداة للعدالة وحماية الكرامة الإنسانية، إذا تم استعماله وفق ضوابط واضحة تراعي الأخلاق والخصوصية والمعايير الشرعية.