بقلم: الخامس غفير.
باحث في علم الاجتماع- المغرب
إن صِحَّة تسريب موضوع خطبة الجمعة المقررة بتاريخ 24 أكتوبر 2025، والتي تُشدِّد على وجوب المشاركة في الشأن العام وتنشئة الأبناء على قيمة “المواطنة الحقة” المتمثلة في الانخراط الفعلي في قضايا الأمة، تطرح تساؤلات عديدة. إذ تُعرّف الخطبة المُتَوقَّعة “المواطن الحق” بأنه الذي يخدم أمته، كما يتضمن النص النصح والتوجيه، بلغة السياسة، نحو “الترافُع حول القضايا المجتمعية والسياسية”. وتُشير الخطبة المذكورة أيضاً إلى ضرورة “مناصحة من ولاّه الله أمره في توحيد الكلمة وجمع الصف والنُّصرة”
لا شك أن الدعوة إلى المشاركة في الشأن العام تثير تساؤلات مشروعة حول الخطاب الديني الرسمي المغربي. أليست هذه الدعوة ممارسة سياسية من فوق المنابر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يتم عزل الخطباء بدعوى أنهم لم يلتزموا الحياد في خطبهم؟ أليست المساجد مستقلة تمامًا عن أي دعوة سياسية، كما تزعم الوزارة؟ ألم يُعتقل ناصر الزفزافي بسبب مداخلة تتعلق بالشأن العام من داخل مساجد الحسيمة؟
تلك هي دعواهم بالأمس، وهذه هي دعواهم اليوم. من نأخذ بدعوى اليوم أم بدعوى الأمس؟ إذا التزمنا بموقف اليوم، فعلى وزارة الأوقاف أن تتدخل فورًا كوسيط، وأن تعتذر لمعتقلي الريف وعائلاتهم. كما يجب عليها أن تتدخل لدى الجهات المعنية للإفراج عنهم فورًا وبدون شرط أو قيد.
أما إذا أصرت على موقف الأمس، فعلى من دعا إلى خطبة اليوم أن يتحمل مسؤوليته التاريخية. وعلى من يصدر قرارات التوقيف والعزل أن يعفي الوزارة بمؤسساتها الرسمية، ويقدم وزيرها إلى الجهات المعنية لتباشر التحقيق معه وتقوم بما يتعين في حقه.
إن التداخل بين الدين والسياسة ليس مجرد ورطة، بل هو إختبار جديد لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وامتحان لصدق “نيتها”.
لا ينكر عاقل أن للمسجد وظائف متعددة وداخله يجب ان تكون الحق مكانة و راية صوته مرفوعة، و لابد من جعل فضاءات المساجد منيرا للتعبير عن آلام و آمال الشعب و المستضعفين.
كما لا ينبغي للمساجد أن تكون أماكن للتبرك والتيمم، أو مساحة لمصادرة الآراء والمواقف (حراك الريف أنموذجا، توقيف المتضامنين مع غزة من الفقهاء والخطباء ….) أو تكميم الأفواه الحرة إلخ.
إن السكوت عن ازدواجية خطاب الوزارة ومؤسساتها وما تمارسه ديماغوجية بئيسة تفصل بين الدين والسياسة في الوقت الذي تريد، وتستدعيها في الزمان الذي ترغب فيهما.”.
كم ودِدْنا لو أنَّ خطب الجمعة اجتهدت من أجل تكريس العدالة وعملت على بث قيم المساواة. وكم كان حُلْم المغاربة في امتلاك منابر تُكَرَّس لـلنضال من أجل تحصين حرية التعبير والدفاع عن قيمها، ولتحقيق الكرامة لكل أبناء المجتمع المغربي. فليكن المَسعى والمُبْتَغى هو تجاوز العقبات وتكسير الحواجز النفسية من أجل غد أفضل، حيث يغدو الأمل هو القاعدة والألم استثناءً. نعم، لمستقبل واعد ومُشرق تلتقي فيه السياسة بالدين وتتشابك العلاقة بينهما خدمةً للإنسان، والكل أجير عند المواطن، لا من أجل قهره وقمعه.
فليُرفع الصوت بقوة، وليُصرَخ في وجه الظلم، وليكن للحق نصيب من نصرتنا له. ولا بُدَّ من العمل على كشف زيف الخطابات الرنانة والخطب الملغومة التي تفتقر إلى الإنصاف والوضوح. وليكن التماهي بين السياسي والديني مُعلَناً وفي واضحة النهار، لا في دياجي الليل ومُتَبَخِّراً عند شروق شمس النهار.
هذا؛ والله أعلم… كم أتمنى أن تكون صِحَّة تسريب الخطبة وفحواها حقيقة دائمة، وأن يكون الربط بين السياسة والدين حدثاً مستمراً؛ لا فعلاً مُناسباتياً أو ترويجاً لأحادية الخطاب الرسمي وإقصاءً للمعـارِض والناصح الأمين بمنطوق الخطبة المُسرَّبة ذاتها.