أكد الأستاذ المصطفى الرميد، المحامي ووزير العدل والحريات الأسبق، أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، رغم ما يتضمنه من إيجابيات وإصلاحات هامة، لم يستجب بالشكل الكافي لمتطلبات الملاءمة مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، خاصة فيما يتعلق بضمان حق المشتبه فيه في الاستعانة بمحام أثناء مرحلة البحث التمهيدي أمام الشرطة القضائية.
وأوضح الرميد، في مقال مطوّل تحت عنوان «حضور المحامي مع المشتبه فيه أمام الشرطة من منظور الاتفاقيات الدولية»، أن اللحظة التشريعية الحالية “لحظة دقيقة ومفصلية”، لأنها يجب أن تسد الثغرات وتصلح العثرات في قانون المسطرة الجنائية، مشيرًا إلى أن النص المقترح “لبّى الكثير من الانتظارات، لكنه أغفل جوانب أساسية في حماية الحقوق والحريات، وعلى رأسها تمكين المحامي من الحضور منذ مرحلة البحث”.
وأضاف الرميد أن هذا الموضوع لا يقتصر على الجانب الإجرائي فحسب، بل يلامس جوهر حماية كرامة الإنسان ومصداقية العمل الأمني والعدالة الجنائية، لكون محاضر الشرطة القضائية تشكل الأساس الذي تُبنى عليه المتابعات القضائية. وتابع موضحًا أن “أي شك في ظروف تحرير هذه المحاضر يضعف الثقة في العدالة، ويؤثر في سمعة المؤسسة الأمنية، بل وفي الصورة الحقوقية للدولة برمتها”.
الدستور والاتفاقيات الدولية أساس النقاش
وأشار الرميد إلى أن الفصل 120 من الدستور المغربي ينص صراحة على أن “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة”، وهو ما لا يمكن تصوره، حسب قوله، إذا كانت المحاضر التي يُبنى عليها الاتهام “منجزة في غياب المحامي، وفي ظروف لا يمكن التأكد من مصداقيتها”.
وذكّر أيضًا بما ورد في ديباجة الدستور، التي تجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو على التشريعات الوطنية، مع إلزام الدولة بملاءمة قوانينها مع مقتضيات هذه الاتفاقيات.
وانطلاقًا من هذا الإطار الدستوري، أبرز الرميد أن ثلاث اتفاقيات دولية أساسية تُلزم المغرب، بشكل مباشر أو ضمني، بتمكين المشتبه فيهم من الاستعانة بمحاميهم أثناء مرحلة البحث، وهي:
1. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛
2. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛
3. الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
قراءات أممية تدعم حق المشتبه فيه في حضور محام
وفي استعراضه لمواقف الهيئات الأممية، أشار الوزير الأسبق إلى أن اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية التابعة للأمم المتحدة، فسّرت المادة 14 من العهد الدولي تفسيرًا واسعًا، يكرّس الحق في الاتصال بالمحامي منذ لحظة التوقيف.
واستشهد الرميد في مقاله بعدة بلاغات وأحكام أممية، منها البلاغ رقم 1769/2008 (قضية بونداي ضد أوزبكستان)، الذي اعتبر أن حرمان المشتبه فيه من الاتصال بمحامٍ أثناء الاستجواب يشكل انتهاكًا للفقرتين (3 ب) و(3 د) من المادة 14 من العهد، بل ويمثل انتهاكًا قائمًا بذاته للفقرة (3 ز) إذا انتزعت الاعترافات تحت التعذيب.
كما أشار إلى بلاغ الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رقم 40/2012 الموجه إلى الحكومة المغربية، وإلى آراء مماثلة في دورات لاحقة (منها الدورة 96 في أبريل 2023)، والتي أكدت أن “الحرمان من الحق في الاستعانة بمحام ينتهك مبدأ تكافؤ وسائل الدفاع، والحق في محاكمة عادلة أمام قاضٍ مستقل ومحايد”.
وفي السياق ذاته، ذكر الرميد مواقف لجنة مناهضة التعذيب والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، التي شددت جميعها على أن “أي اعتراف يتم الحصول عليه من شخص محروم من حريته، في غياب قاضٍ أو محامٍ، لا يمكن أن تكون له أي قيمة إثباتية أمام القضاء”.
تحذير من المساس بصورة المغرب الحقوقية
واعتبر الرميد أن هذه المواقف والآراء الأممية “بلغت حدّ التواتر”، مما يجعل كل دولة لا تنص تشريعاتها على حضور المحامي أثناء استجواب المشتبه فيه عرضة لتصنيفات سلبية، منها الاحتجاز التعسفي أو ممارسة التعذيب، حتى إذا كانت الادعاءات غير صحيحة، لأن عبء الإثبات يقع على الدولة، وغياب المحامي أثناء الاستجواب يُعتبر قرينة ضدها أمام آليات الأمم المتحدة.
وأكد أن عدم إدراج هذا المقتضى في مشروع قانون المسطرة الجنائية يجعل التشريع المغربي غير منسجم مع التزاماته الدولية، كما يعرض مؤسساته الأمنية والقضائية “لشبهات تمس بسمعتها الحقوقية”، إذا استندت المحاكم إلى محاضر منجزة في غياب المحامي.
من الملاءمة القانونية إلى التحدي الحقوقي
وفي ختام مقاله، دعا الرميد إلى تشريع مقتضيات جديدة تضمن حضور المحامي مع المشتبه فيه أثناء الاستجواب، مقترحًا اعتماد مرحلة انتقالية تمتد إلى سنة 2030، تُخصص لتأهيل المؤسسات الأمنية والقضائية لتطبيق هذا المبدأ عمليًا، تماشياً مع استعدادات المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
وقال الوزير الأسبق: “كما يسعى المغرب ليكون في مستوى شركائه في التنظيم والبنيات التحتية، فإنه مطالب بأن يكون في مستواهم أيضًا في احترام حقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة”.
وختم الرميد مقاله بالتعبير عن ثقته في قدرة المغرب ومؤسساته على رفع هذا التحدي التشريعي والحقوقي، مشيرًا إلى أن المغرب “طالما أثبت، في محطات متعددة، أنه قادر على التوفيق بين طموحاته التنموية والتزاماته الحقوقية”.