يشكل مقال عبد الصمد بلكبير قراءة نقدية جريئة تربط بين المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في المغرب وسياسات النيوليبرالية المفروضة من قبل مؤسسات مالية دولية، حيث يقدم الكاتب رؤية ذات أفق واسع، تضيء على أبعاد طبقية وسياسية مهمة، وتدعو إلى وعي نقدي وإعادة تركيبٍ استراتيجي للمقاومة السياسية. ومع ذلك، فإن قوة الخطاب التحليلي لا تتساوى مع قوة حججه من ناحية الإثبات والاتقان المنهجي.
ويمكن إبرازها في النقاط التالية:
1- غياب الأدلة الوثائقية العلمية
يشكل أحد ركائز الضعف في طرح بلكبير هو العمومية في افتراض الفاعل الدولي كـالممسك بالقرار، دون عرض أمثلة محددة. إن القول بأن البنك الدولي أو صندوق النقد أو منظمة التجارة العالمية هم الجهة الفاعلة هو ادعاء يحتاج إلى ربط بعقود، ببنود شروط تمويل، أو بسياقات تشريعية محددة في المغرب. حيث أن غياب هذه الأدلة يحول التحليل من تفسير مبني على دلائل إلى مقالة موقفية يمكن دحضها بسهولة عبر التساؤل عن آليات التطبيق المحلية.
2- الميل إلى تفسير أحادي السبب
يميل طرح بلكبير لربط مجموعة من النتائج الاجتماعية بسبب مركزي واحد؛ وهو الهيمنة الدولية. هذا التفسير يتجاهل توازنات القوى الداخلية (رجال الأعمال، أحزاب ونقابات ومجموعات المصالح) فاعلة في الاختيارات السياسية التي تقوم على موازين قوى.
ولكي يثبت الاستاذ بلكبير هذا الطرح بوصفه اختلال رئيسي ينبغي تبني منظور تعددي المستويات، يدرس التفاوض بين النخبة الوطنية والمؤسسات الدولية مع استعمال أدوات المقارنة لتبيان لماذا اتخذت دولة ما سياسات تختلف عن أخرى رغم تعرضها لذات الضغوط.
3- لغة تقترب من رواية المؤامرة
تشير عبارات مثل “قيادة في اللور” أو “توجيه من الخارج” إلى نبرة قد تُشيع طابعا تآمريا في التحليل، حيث يمكن للكاتب تأكيد أو نفي علاقة الحركة بجهات أخرى عبر البحث في النقاط التالية: تحديد “قنوات التمويل”، “شبكات الدعم الإعلامي”، أو “مصادر لوجستية” واستدعاء أدلة ملموسة (تمويلات، سجلات حسابات، علاقات مؤسساتية) بدلًا من افتراض قيادة خفية دون سند.
تقدم أطروحة عبد الصمد بلكبير رؤية نقدية قيمة تذكرنا بأهمية قراءة السياسة الوطنية ضمن سلاسل تبعية أوسع، لكن النقد الفعال لا يكفي لوحده. إذ ينبغي دعمه بمنهجية دقيقة، بأدلة ميدانية ووثائقية، وبخارطة طريق عملية تمكن من ربط الطرح التحليلي بالرهانات السياسية الواقعية.
عمر صبار
رئيس المركز المغربي للدراسات والعلوم الاجتماعية