تم نشر قانون المسطرة الجنائية الجديد في الجريدة الرسمية، على أن تدخل حيز التنفيذ بعد مرور ثلاثة أشهر، حاملة معها مستجدات جوهرية تمس مختلف مراحل المسطرة الجنائية، وتعزز بشكل ملحوظ ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، فضلا عن إقرار آليات جديدة للوقاية من التعذيب وترشيد الاعتقال الاحتياطي.
وحسب ما أوضحه الأستاذ عبد الرحمان الباقوري، المحامي بهيئة الدار البيضاء والباحث في القانون، فإن النص الجديد جاء بمجموعة من الإصلاحات الكبرى، من أبرزها:
تعزيز دور الدفاع: تم التنصيص على إلزامية حضور المحامي عند الاستماع إلى الأحداث وذوي العاهات، وكذا تمكين المحامي من الاتصال بالشخص المودع رهن الحراسة النظرية منذ الساعة الأولى لتوقيفه (باستثناء قضايا الإرهاب). كما أصبح للمحامي حق حضور استنطاق النيابة العامة للمتهم، وتقديم وثائق نيابة عنه، وطرح الأسئلة وإبداء الملاحظات
التسجيل السمعي البصري: أقر النص الجديد إلزامية تسجيل تصريحات المشتبه فيهم في الجنايات والجنح المعاقب عليها بخمس سنوات سجنا أو أكثر، أثناء التوقيع على المحاضر، مع إمكانية مطالبة المحكمة بالاطلاع على التسجيل.
مساطر الطعن والتظلم: أصبح بإمكان الأطراف التظلم من قرارات الحفظ أمام مستويات أعلى من النيابة العامة، كما أُتيح الطعن في أوامر الإيداع بالسجن الصادرة عن وكيل الملك أو الوكيل العام أمام هيئات قضائية جماعية، مع الإبقاء على حق طلب السراح المؤقت.
ترشيد الاعتقال الاحتياطي: تم تقليص مدد التمديد في الجنايات من خمس مرات إلى مرتين فقط (بما لا يتجاوز 6 أشهر)، وفي الجنح من مرتين إلى مرة واحدة (بما لا يتجاوز شهرين).
المراقبة القضائية: تمت إضافة الوضع تحت المراقبة الإلكترونية كإجراء بديل عن الاعتقال، تحت إشراف قاضي التحقيق.
ضمانات الوقاية من التعذيب: ألزم القانون النيابة العامة بإخضاع المشتبه فيه لفحص طبي عند طلبه أو طلب دفاعه، تحت طائلة بطلان الاعترافات المدونة بمحاضر الشرطة القضائية.
تقوية حقوق الدفاع أمام قاضي التحقيق: تم التنصيص على استدعاء المحامي قبل الاستنطاق بـ15 يوما على الأقل، ومنحه الحق في الاطلاع على الملف والحصول على نسخ ورقية أو إلكترونية.
آليات جديدة للتسوية والصلح: تم توسيع دائرة الجنح القابلة للصلح لتشمل جرائم تمس بالحقوق الخاصة (كالسب والقذف، وبعض الاعتداءات البسيطة)، مع إلغاء شرط المصادقة القضائية على الصلح.
التجنيح القضائي: منح القانون إمكانية إعادة تكييف بعض الأفعال من جنايات إلى جنح عندما تكون الأضرار بسيطة، ضمانا لعدالة متوازنة.
مستجدات العقوبات: نص القانون على عدم جواز الحكم بالإعدام إلا بإجماع أعضاء غرفة الجنايات، وعلى عدم جواز الإدانة بناء فقط على تصريحات متهم ضد آخر ما لم تدعم بقرائن قوية. كما تم إحداث آلية للتخفيض التلقائي للعقوبات، تحت إشراف لجنة تضم قاضي تطبيق العقوبات وممثل النيابة العامة وإدارة السجون.
هذه التعديلات، وفق الأستاذ الباقوري، تشكل نقلة نوعية في السياسة الجنائية بالمغرب، إذ تجمع بين حماية الحقوق والحريات الفردية وتعزيز النجاعة القضائية، مع إعطاء دور أكبر للمحامي، وتوسيع بدائل الاعتقال، وترسيخ الضمانات ضد أي تعسف أو تجاوز أثناء مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة.