هدى المساوي
رحل الحاج أحمد الزفزافي، فانطفأت شمعة كانت تضيء لأسرته ولأبناء بلدته دروب الصبر والكرامة. إنّ الموت حين يطرق أبواب العظماء من البسطاء، يُشعرنا بأننا فقدنا شيئًا من ملامحنا نحن، شيئًا من الدفء الإنساني الذي كنا نلمحه في عينيه وصوته.
لم يكن “عيزي أحمد” مجرد أب لناصر الزفزافي، بل كان أبًا رمزيًا لكل من رأى فيه صورة الحكمة والصدق. رجل عاش حياة بسيطة، لكن أثره كان عميقًا؛ لم يرفع صوته إلا بالحق، ولم يطلب لنفسه شيئًا إلا الرحمة. في زمنٍ كثر فيه الادعاء، ظل هو الصوت الصادق الذي يخرج من قلب مكلوم، فيصل إلى القلوب بلا استئذان.
لقد حمل همّ الوطن في قلبه، وحمل همّ الابن في روحه، فكان الصبر له زادًا، والإيمان بالله له عزاءً دائمًا. قاوم المرض بجلَد، وتحمّل الألم بصمت، ولم يُرِد أن يثقل على أحبته بأناته، بل ظل مبتسمًا في وجههم حتى وهو على سرير المستشفى. وحتى في أنفاسه الأخيرة، لم ينسَ ابنه، ولم ينسَ أن يترك وصية تختصر الأبوة كلها: أن يزور قبره كل جمعة إن كُتب له الخروج من السجن، وإن لم يستطع، فليكن الدعاء زيارته الأبدية. أيُّ حبّ هذا، وأيُّ وفاء، وأيُّ علاقة مقدسة بين الأب والابن؟
رحيل الحاج أحمد ليس خبرًا عابرًا يُسجَّل في أرشيف الأيام، بل هو صفحة دامعة في كتاب الذاكرة. سيرته تذكّرنا بأن القوة الحقيقية ليست في الصخب، بل في القدرة على التحمل، على الثبات، على الصبر الجميل. لقد علّمنا أن البساطة قد تكون أعظم من كل المظاهر، وأن الصدق قد يهزم كل الزيف.
إلى أسرته الكريمة، وإلى ناصر في محبسه، وإلى طارق، وإلى كل من أحب هذا الرجل الطيب: عزاؤنا واحد، ودموعنا صادقة، وحزننا عميق. لكن عزاءنا الأكبر أن ذكرى الحاج أحمد ستظل حيّة في القلوب، وأن روحه ستظل تحلّق في سماء الريف والمغرب، تشهد أننا فقدنا رجلًا نادرًا، لكننا كسبنا رمزًا خالدًا..