بوشتى بوگزول
مرة أخرى، تكشف الحكومة المغربية عن ارتجاليتها في التعامل مع الملفات ذات البعد الاجتماعي والأمني، بعد أن قررت تعليق الحملة الخاصة بمراقبة الدراجات النارية ومنح أصحابها مهلة زمنية تمتد إلى 12 شهرا من أجل “التأقلم مع الضوابط القانونية”.
إن القرار في ظاهره يبدو وكأنه يستحضر البعد الاجتماعي، لكن في جوهره يعكس غياب رؤية استراتيجية ووضوح في التدبير، خاصة أن الحملة أُطلقت دون إعداد جيد، لتتراجع عنها الحكومة في آخر لحظة، وكأن الأمر مجرد تجريب في ورش خطير يتصل بسلامة المواطنين وأمنهم.
المثير للاستغراب أن الحكومة عوض أن توجه سهام المحاسبة نحو المسؤولين الحقيقيين عن الفوضى، أي المستوردين الذين أدخلوا هذه الدراجات إلى السوق الوطنية دون احترام الضوابط التقنية، أو الوسطاء الذين عبثوا بخصائصها الميكانيكية وحولوها إلى وسائل خطيرة، فضلت أن تُحمّل العبء للمواطن البسيط عبر حملات عشوائية، ثم تراجعت عنها تحت ضغط الواقع والانتقادات.
إن مثل هذه القرارات المرتبكة لا تسيء فقط إلى صورة الحكومة، بل تُفقدها ما تبقى من رصيد المصداقية والشعبية، خصوصا وأنها أبانت أكثر من مرة عن ميلها إلى الحلول الترقيعية بدل السياسات العميقة. فمن غير المقبول أن تستفيق الحكومة فجأة على “مخاطر” هذه الدراجات، لتطلق حملة بلا تحضير، ثم تلجأ إلى تجميدها، تاركة الشارع في مواجهة فوضى مستمرة لاثني عشر شهرا إضافيا.
لقد صار واضحا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، وأن الحل الحقيقي يمر عبر محاسبة شبكات الاستيراد المشبوهة، وضبط عملية المراقبة التقنية منذ الميناء، بدل ترك المواطنين يتورطون في اقتناء وسائل نقل غير آمنة ثم مطاردتهم بها بعد ذلك.
إن تعليق الحملة بهذه الطريقة لا يعدو أن يكون هروبا إلى الأمام، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدية الحكومة في التعاطي مع الملفات التي تمس حياة الناس اليومية. والنتيجة: استمرار الفوضى، وتآكل الثقة، وتكريس صورة حكومة تعودت أن تتراجع بدل أن تتقدم.