تعيش مدينة العرائش هذه الأيام على وقع مهرجان فني وثقافي كبير، احتضنه فضاء باب البحر التاريخي، حيث اجتمعت الأهازيج التراثية بالألوان الموسيقية الشبابية والعصرية، في مزيج إبداعي أحيا ذاكرة مدينة ليكسوس العريقة، التي لطالما كانت قبلة للسياحة في شمال المغرب وجنوب إسبانيا.
الحدث، الذي تنظمه وزارة الثقافة، جاء في إطار سعيها لمصالحة الإنسان بالمكان، عبر إعادة الاعتبار لفضاءات المدينة التاريخية وربط حاضرها بماضيها الزاخر بالأمجاد. فقد شكل المهرجان مساحة مفتوحة للاستمتاع بفنون عريقة وأخرى حديثة، تحت سماء غشت المرصعة بالنجوم وعلى إيقاع هدير الموج الأزرق، في أجواء صيفية تبعث على الفرح والبهجة.
ولم يقتصر المهرجان على الجانب الفني فحسب، بل حمل معه بعداً وجدانياً قوياً، استحضر من خلاله إرث العرائش الثقافي الذي وثقته أشعار الراحل حسن الطريبق، وأعمال المسرحي الكبير الراحل حسن الكنفاوي، إلى جانب الإبداعات السينمائية للمخرجين الشريف الطريبق وعبد السلام الكلعي، الذين خلدوا في أعمالهم جمال المكان وعمق ذاكرته.
ويأتي هذا الحراك الثقافي في سياق مطالب متزايدة من المجتمع المدني بضرورة استعادة بريق “شرفة الأطلسي”، التي تحولت لدى كثيرين إلى ذكرى جميلة لماضٍ مجيد. وقد ساهمت البرمجة الفنية الموازية، المستوحاة من نجاحات “راب الرباط”، في استقطاب جمهور واسع من مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك الزوار القادمين من مدن ومناطق بعيدة، الذين وجدوا في المهرجان متنفساً صيفياً ومناسبة لاكتشاف جماليات المدينة.
على مستوى التنظيم، شكّل المهرجان نموذجاً يحتذى به في إدارة الحشود، حيث تميز بانسيابية تنقل آلاف الزوار وسط أجواء من الأمن والانضباط، مع الحرص على التدابير الوقائية، وهو ما يعد تمريناً عملياً متقدماً لتنظيم تظاهرات كبرى، خصوصاً في أفق استعداد المغرب لاحتضان مونديال 2030.
ويعزى النجاح البارز لهذا الحدث إلى الرؤية الميدانية المحكمة لطاقم مديرية الثقافة الجهوية بطنجة، الذي أدار مختلف تفاصيل المهرجان بحرفية عالية، مما مكن العرائش من استعادة جزء من دورها كمنارة ثقافية وفنية، وعزز آمال ساكنتها وزوارها في أن تستمر هذه الدينامية وتتحول إلى موعد سنوي يعزز حضور المدينة على خريطة السياحة الثقافية بالمغرب.