أكد الملك محمد السادس، أن التنمية الاقتصادية ومشاريع البنيات التحتية، مهما بلغ مستواها، لن تكون كافية إذا لم تُسهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين، بجميع فئاتهم ومناطقهم. وشدد جلالته، في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، على ضرورة ربط النمو الاقتصادي بالعدالة الاجتماعية والمجالية.
وقال الملك: “تعرفون جيدًا أنني لن أكون راضيًا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات.”
وفي هذا السياق، جدد الملك التأكيد على الأهمية التي يوليها للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر المستحقة، مبرزًا أن هذه الأولويات تشكّل جوهر المشروع المجتمعي الذي يقوده.
وأشار الملك إلى نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، والتي أظهرت تحولات ديمغرافية واجتماعية ومجالية مهمة، تستوجب أخذها بعين الاعتبار عند صياغة السياسات العمومية. كما أبرز تراجع مستوى الفقر متعدد الأبعاد من 11,9٪ سنة 2014 إلى 6,8٪ سنة 2024، معتبرًا هذا التراجع إنجازًا مهمًّا.
ومن أبرز ما جاء في الخطاب، إعلان الملك أن المغرب تجاوز هذه السنة عتبة مؤشر التنمية البشرية، ليصنّف ضمن الدول ذات “التنمية البشرية العالية”، وفق المعايير الدولية المعتمدة.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، عبّر جلالة الملك عن أسفه لكون بعض المناطق، خاصة في العالم القروي، ما زالت تعاني من الفقر والهشاشة بسبب نقص البنيات التحتية والمرافق الأساسية، مشددًا أن ذلك “لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.”
وفي هذا الصدد، أطلق جلالته دعوة صريحة لإحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق، مشددًا على ضرورة الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة تنمية مجالية مندمجة.
وأوضح الملك أن الهدف من هذه النقلة هو ضمان أن تشمل ثمار التنمية والتقدم جميع المواطنين، وفي جميع المناطق، دون تمييز أو إقصاء.
ولتجسيد هذا التوجه، وجه جلالة الملك الحكومة إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يقوم على:
دعم التشغيل من خلال تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير بيئة ملائمة للمبادرة والاستثمار المحلي.
تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، لا سيما في مجالي التعليم والصحة، بما يصون كرامة المواطن ويكرّس العدالة المجالية.
اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية، نظرًا لتزايد التحديات المرتبطة بالإجهاد المائي والتغيرات المناخية.
إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى التي تعرفها البلاد.
وأكد جلالته أن هذه البرامج يجب أن تنبني على توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات أثر ملموس، مع احترام مبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية وتثمين الخصوصيات المحلية.
وفي خطابه، وجّه الملك رسالة قوية مفادها أن:“لا مكان اليوم ولا غدًا، لمغرب يسير بسرعتين.”