مرت في تاريخ المواجهة مع العدو أجيال على مدى 75 عاما، كل جيل بما كسب رهين، والتاريخ يسجل ويحفظ خصوصا عندما يتعلق الأمر بالذاكرة الجماعية لقضية كبيرة مثل قضية فلسطين، ومما حُفظ للاجيال المتعاقبة أوصافها الغالبة، فأُطلق على الجيل الأول جيل النكبة وهو الجيل الذي شهد قيام دولة الاحتلال عام 1948وما تبعها من تقتيل وتهجير وتشريد، وما إن تململ هذا الجيل وأدرك مسؤولياته التاريخية وبدأ مسار المقاومة والتحرير حتى خلفه جيل النكسة عام 1967، وهو الجيل الذي خسر المعركة في ستة أيام وضيع ثلاثة أضعاف من الاراضي التي غصبها الاحتلال في 1948؛ ورغم فداحة الخسارة، بدأ هذا الجيل بالانتعاش واستأنف عملية التحرير من خلال حرب الاستنزاف توجت بانتصار مهم على العدو في حرب 1973، لكنه لم يلبث أن تلقى صفعة قوية باعلان نظام أنور السادات عن اتفاقية سلام أحادية الجانب مع العدو عام 1978، غير آبه باللاءات الثلاث التي أقرتها قمة الخرطوم عام 1967 أي لا صلح مع الكيان ولا اعتراف به ولا تفاوض معه؛ واستمر تخبط هذا الجيل ليفرز مسارين في التعامل مع القضية انطلاقا من الانتفاضة الاولى 1987.. مسار الجمع بين المقاومة المسلحة والعملية السياسية في أفق إعداد جيل التحرير وهذا المسار هو الذي أنتج طوفان الاقصى بعد سلسلة من المواجهات ردا على عدوان الاحتلال.
ومسار آخر معاكس هو امتداد لجيل النكسة الذي سعى إلى السلام عبر الاستسلام وأنتج اتفاقية أوسلو 1993 ووادي عربة 1994 وفتح الباب للاحتلال ليأخذ ما تبقى من الارض الفلسطينية بعد حرب 67 بالتقسيط.. وهو المسار الذي تبنته الأنظمة العربية و على أساسه أقامت ولاءاتها ومصالحها وذهبت بعيدا في تبيض وجه الاحتلال من خلال علاقات سرية توجت أخيرا بعلاقات تطبيعية علنية في إطار صفقة القرن 2019 واتفاق ابراهام 2020، لنصل أخيرا إلى جيل الابادة 2023-2025 وهو الجيل الذي اشترى العدو صمته وضمن خذلانه لدرجة أن عاطفته لم تتحرك لإطعام المجوٓعين وسقي المقهورين الذين يسقطون شهداء في طوابير انتظار المساعدات المسمومة. جيل الابادة هو الجيل الذي وقف متفرجا على مقتلة أزيد من 60000 شهيد معظمهم من الاطفال والنساء، استشهدوا وهم محرمون من الغذاء والماء والدواء والايواء. جيل الابادة هو نحن بدون مساحيق.
أملنا أن يولد جيل من الأمة من وجع الصمت و ظلمات الخذلان، وليل الابادة، هو جيل التحرير لأنه ليس بعد الموت إلا البعث والحياة من جديد.
والله المستعان