بقلم : محمد العربي بوشيبة
إن أي إصلاح أو تأهيل يطال الساحات العمومية، لأي حاضرة كانت، لم يأخد بالإعتبار، و ضمن أولوياته و حسبانه، الذاكرة الجمعية و تاريخ المكان المعني، بكل حمولته البصرية، المعنوية و الرمزية، هو بمثابة تدمير لهوية المكان، و قتل لتاريخ العمران و إعدام لذاكرة الإنسان.
ما طال الشرفة الأطلسية بالعرائش، من تدمير و قتل لرمزية المكان، بإنفاق عمومي، و إشراف مؤسساتي متداخل و مشترك، و من تصميم مهندس، يقال أنه صاحب خبرة كبيرة في إنجاز هكذا مشاريع، ناهيك عن دراسة للتهيئة، كلف مكتب للدراسات بإنجازها، لا يمكن تصنيفه إلا في إطار ما يمكن تسميته ب ” تجريد المدن من هويتها”، أي إعدام عرائش التاريخ، مما يعني خلق منتوج عمراني ب “تصميم” جديد لا يليق بالعرائش، و لا يناسب هويتها البصرية، و لا يرقى لمستوى رمزية المدينة في ذاكرة تاريخها المجيد.
علمونا في الدروس الأولية في مادة التاريخ، أن المستعمر هو الذي غالبا ما يلجأ لتدمير كل ما له علاقة له بذاكرة المُسْتَعْمَرَةُ، لنفس تاريخها الأصيل.
هذه القاعدة انهارت أمام جدار العرائش البهية، فالمستعمر كان رحيما بمدينتنا، واحترم تاريخها، بل الأكثر من ذلك، أبدع في تصميم مَا شَيَّدَ من معالمها، و أبدع مهندسيه في إبراز جمالية المدينة، من خلال هندسة مدنية متناسقة و متناغمة، بشكل يخدم المكان و الإنسان.
مساء أمس، تلقيت صورا ل” بالكو اتلنتيكو” توثق لافتتاح قبل أوانه المعلن، أو بالأحرى تمت إزاحة السياج الفاصل للأعمال الجارية عن عموم الناس، دون إعلان الإفتتاح الرسمي و غير الرسمي، من أي جهة كانت.
فإن تجاوزنا القول عن هذا المسلك الغير مفهوم و الغير مبرر، و انتقلنا للحديث عن البشاعة التي استوقفتنا عبر الصور المتناقلة للشرفة الأطلسية، فإن ما أَعْجَزَنِي، هو القدرة على وضع مقارنة بين ما كان، و ما أصبح كائنا اليوم، فالمقارنة بين ماضي الشرفة الأطلسية و حاضرها، ما كان ليستقيم، لأن الْمُقارَنُ وَالْمُقارَنُ بِهِ، غير متماتلين و لا متشابهين و لا قريبين، بل لا توجد أي من مقومات المقارنة بينهما، فواقع الحال يقول شتان ما بين الترى و الثريا.
فصور الإخراج المتناقلة على أوسع نطاق لما سمية بهتانا “بالإصلاح والتأهيل ” استقرت جميعها و بدون “فلترة” على توثيق بشاعة التصميم، الذي لم يوفق في تنزيل حتى التصميم الذي وضعته الجهة المعنية و سبق أن روج له على نطاق واسع، ما تم تنزيله لم تراعى فيه أي رمزية من الذاكرة، و لم تحافظ فيه على أي جانب من جوانب الذوق الرفيع لجمالية العرائش، التي يشهد لها بها التاريخ، يكفي أنها سميت في زمن اللا تأهيل ب ” جوهرة الشمال”.
إخراج “بالكو أطلنتيكو” بهذا التصميم البشع، لم يكن ليتطلب كل ذاك الضجيج السابق لأوانه، من كون فلان صاحب الفضل لاستفاذة العرائش من هكذا مشروع، و لا لكل هذا الزمن المهدور، و لا لكل أولئك المتدخلين الرسميين و غير الرسميين، فبما أن كل ما تم إنتاجه في ” الحلة الجديدة” للشرفة الأطلسية، هو تصميم إسمنتي صرف، شيد على أنقاض التاريخ و الهوية و الذاكرة، على أنقاض العريشة و الأعمدة و السقائف التي كانت موضوعة بعناية و حساب دقيق، تصميم أهمل العناية بالمنحدر الساحلي، بما يتضمن من المدافع التاريخية، و المنابع الطبيعية ( عين شقة )، و الجمال الرباني الذي حبا به الله المنطقة.
كان يكفي للقيام بهذا العمل، بناءون صغار، دون حاجة لكل هذا الضجيج من مكتب الدراسات و مهندسين و تقيين.
من جهة أخرى لو سلمنا شرفتنا الأطلسية لإبداع سواعد أبنائها البناءون المقيمون بإسبانيا، لأبدعو في إخراج “بالكو اتلنتيكو” بتصميم جميل، فني يراعي الذاكرة و التاريخ، فمعظم ساحات مدريد و برشيلونة، شاهدة على فنية سواعدهم و جمالية إبداعاتهم.
اليوم “بالكو أطلنتيكو ” يستنجد بكل الغيورين على هوية العرائش، الشرفة الأطلسية اليوم تصيح، يا منقداه ! .. يا منجداه ! ..، الشرفة الأطلسية تصرخ من شدة الألم المجاني، أنا ” بالكو أطلنتيكو العرائش”، أتوسل إليكم، إما تأهيل يليق بتاريخي و ذاكرتي و رمزيتي، أو اتركوني على حالتي التي كنت عليها، حيث كان يكفيني ترميم ما يحتاج للترميم، و إعادة بناء ما أتلفه مني الزمن اللعين، و لا هاذ شوهة.
أنا ” بالكو أطلنتيكو ” الذي أحفظ ملامحكم عن ظهر قلب، أحتفظ بذكرياتكم الحزينة و السعيدة، يا من اتقلتموني، ذات زمن بهي، بهمومكم الصغيرة والكبيرة، أيام كنتم من خلالي تحدثون البحر الذي أطل عليه ليل نهار، عن أحلامكم المستقبيلة، اليوم و أنا سعيد لتحقيق الكثير منكم لتلك الأحلام، أقول لكم اليوم، آن الأوان، أن تعيدوا لي رونقي المكسور، وجمالي المشوه، و بهائي المهزوم، لكم أخاطب أيها العرائشيون الأبرار الأحرار، و السلام.