كشف مجلس المنافسة في تقرير تحليلي حديث عن وجود تأثير كبير لنمط اشتغال مسالك توزيع المواد الغذائية، خاصة التقليدية منها، على تحديد السعر النهائي الذي يؤديه المستهلك، مشيرًا إلى أن هذا النمط يُساهم في تثبيت الأسعار ويضعف آليات المنافسة داخل السوق.
وأوضح التقرير أن محلات البقالة، وهي الفاعل الأبرز في التوزيع التقليدي، تلجأ غالبًا إلى تطبيق السعر المرجعي للمنتج الأكثر شهرة على باقي العلامات التجارية، بغض النظر عن سعر الشراء الفعلي. وأكد المجلس أن هذا السلوك يؤدي إلى نوع من التسقيف غير المعلن للأسعار، ويحول دون استفادة المستهلك من المنافسة بين الموردين والعلامات المختلفة. فعلى سبيل المثال، سجلت تحليلات المجلس أن متوسط الفرق في أسعار الزبدة بلغ 7 دراهم للكيلوغرام، بينما وصل إلى 13 درهمًا في صنف المعجنات الغذائية السائبة خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2023، وهو ما يعكس تفاوتًا غير مبرر مقارنة بأسعار التفويت من الموردين.
وأشار التقرير إلى أن الفاعلين في مسالك التوزيع يعمدون إلى نقل أي زيادة في الأسعار فورًا إلى المستهلك، في حين يؤخرون تمرير التخفيضات، بدعوى تصريف المخزون، وهو ما يؤدي إلى الحفاظ على هامش ربح مرتفع دون مبرر تنافسي. ويطرح هذا السلوك مشكلتين أساسيتين، الأولى أن التجار يحتفظون بهامش ربح إضافي لا يستفيد منه المستهلك، والثانية أن المصنعين والموردين يفقدون السيطرة على مكون أساسي في التمايز التجاري، ألا وهو السعر النهائي للمنتج.
وتوقّف التقرير أيضًا عند تطور هوامش الربح الخام في مسالك التوزيع، مؤكدًا أنها ساهمت في تغذية موجة التضخم التي شهدها السوق المغربي خلال السنوات الأخيرة. ففي قطاع الحليب، مثلًا، ارتفع هامش الربح في المسالك التقليدية من 10% سنة 2021 إلى 22% سنة 2023. كما سُجلت زيادات مهمة في المصبرات النباتية (18% لمركز الطماطم و12% للمربى)، وفي المعجنات الغذائية والكسكس السائب، التي بلغت نسبة هامش ربحها 20% في 2022، قبل أن تنخفض جزئيًا سنة 2023، لكنها بقيت أعلى من مستويات 2021.
أما في ما يخص المساحات الكبرى والمتوسطة، فأشار مجلس المنافسة إلى تسجيل زيادات قوية في هوامش الأرباح خلال الفترة نفسها، حيث بلغت 44% لمنتجات الحليب، و55% للمعجنات والكسكس، و25% للمصبرات النباتية، قبل أن تتراجع بشكل متفاوت سنة 2023. وقدر التقرير تراجع هامش ربح الحليب إلى 22%، والمصبرات النباتية إلى 1%، بينما سجلت المعجنات الغذائية والكسكس ارتفاعًا إلى 4% خلال السنة نفسها.
وأكد المجلس أن هذه الممارسات تشمل مسلكي التوزيع التقليدي والعصري على السواء، حيث عمد الفاعلون في كلا المسلكين إلى رفع الأسعار بنسب تفوق الزيادة في تكلفة الشراء، كما لم يُفعّلوا التخفيضات التي حصلوا عليها من الموردين بالقدر الكافي. ولفت التقرير إلى وجود ما يُعرف بـ”هامش الربح الخلفي” في المساحات الكبرى، والذي يُضاف إلى الهامش الأمامي، وبلغ متوسطه حوالي 9%، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الأرباح يرتبط بترويج المنتجات والعلامات، وقد سجل بدوره زيادات ملحوظة لدى عدد من العلامات التجارية.
ويُعد هذا التقرير من بين المخرجات الأساسية لرأي مجلس المنافسة حول منظومة تسويق وتوزيع المنتجات الاستهلاكية، في سياق ارتفاع الأسعار ومطالب تعزيز الشفافية ومراقبة سلوك الفاعلين في السوق المغربي.