هدى المساوي
في يوم صيفي عادي، ذهبت الطفلة غيثة برفقة والدها إلى البحر، تماماً كما يفعل آلاف الأطفال حول العالم. كانت تلهو ببراءة، تضحك، وتقفز على الرمال الدافئة ، تنسج ذكريات الطفولة التي لا تُنسى. لم تكن تعلم أن لحظات الفرح تلك ستتحول إلى كابوس مفجع، وأن ضحكتها ستخنقها الصدمة، وتُسكتها الآلام داخل أسوار المستشفى.
في لحظة، وبينما كانت غيثة تستمتع بلعبها، جاء شخص لا يملك من الرحمة شيئًا، يدهسها بسيارته دون أدنى وعي أو مبالاة. لم يكن سائقاً عادياً ، بل ممن يعتبرون أنفسهم “فوق القانون”، محصّنين بـ”النفوذ” والجاه، حتى أن رده الصادم على الحادثة كان :
“أنا من أصحاب النفوذ، ولا أحد يستطيع محاسبتي.”
هكذا ببساطة، يُزهق عمر الطفولة، وتُسحق براءة غيثة تحت عجلات التسلط والاستهتار، دون أن يتحرك ضمير أو تُرفع مساءلة.
الآن، تقبع الطفلة الصغيرة في غرفة بيضاء باردة داخل المستشفى، لا تعرف لماذا سُلبت منها الحركة واللعب، ولا تفهم لماذا توقف العالم فجأة عن الابتسام لها. وأمام سريرها، تقف عائلة مكلومة، مكسورة القلب، تطالب بعدالة باتت بعيدة المنال، في وطن يُفترض أن يكون فيه القانون هو السيد على الجميع، لا أن يُكسر أمام أصحاب النفوذ.
ليست غيثة مجرد رقم في سجل ضحايا الاستهتار، بل وجه لكل طفل في هذا الوطن يمكن أن يواجه المصير نفسه، ما لم يُحاسب الجاني، وما لم تتحرك الجهات المسؤولة لوضع حد لحالة الإفلات من العقاب.
هذه إستغاثة أسرة غيثة، نرفعها لكل من يحمل قلباً حياً وضميرًا مسؤولًا، لكل مسؤول يعرف أن العدالة ليست ترفاً بل حق، وأن حماية الطفولة مسؤولية جماعية لا يسقطها النفوذ ولا يغطيها الصمت.
إن كانت العدالة لن تُعيد ضحكة غيثة كما كانت، فعلى الأقل لتكن بداية لإنصافها، ورد الاعتبار لبراءتها المسحوقة تحت عجلات الظلم..