حذّر الدكتور حميد النهري، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، من خطر ما أسماه بـ”تغوّل الحكومة” في حال عدم ضبط الإطار المؤسساتي والقانوني لمشروع الوكالة الوطنية لتحصيل وتدبير الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، والذي يجري العمل على اعتماده ضمن إصلاحات تشريعية متقدمة تقودها وزارة العدل.
وفي تصريح إذاعي أدلى به ضمن تعليق على توجهات الدولة في هذا المجال، اعتبر النهري أن إحداث هذه الوكالة يحمل أبعادًا مهمة تتجاوز البُعد التقني أو المالي، لكونه يأتي ضمن مسار إصلاحي أشمل، يشمل المنظومة الجنائية والمدنية، ويسعى إلى مواكبة التزامات المغرب الدولية في مجال محاربة الجريمة الاقتصادية، وغسل الأموال، والتهرب الضريبي.
وأوضح المتحدث أن الدولة المغربية، شأنها شأن باقي الدول، تواجه إشكالية اتساع التزاماتها المالية مقابل محدودية الموارد، ما يجعلها في بحث دائم عن مصادر تمويل جديدة. ومن بين هذه الموارد، يضيف النهري، الأموال المحجوزة والمصادرة الناتجة عن أنشطة غير مشروعة، والتي يمكن أن تشكّل دعمًا مهمًا للميزانية العامة وتمويل البرامج التنموية.
وشدد النهري على أن المغرب ملتزم اليوم بتطبيق معايير دولية دقيقة في هذا المجال، بفعل انخراطه في عدد من الاتفاقيات والشراكات الدولية، وبحكم مراقبة منظمات دولية متخصصة لحسن تدبيره للعائدات الجرمية. وأضاف أن مشروع الوكالة يجب أن يُفعّل ضمن إطار مؤسساتي متوازن، يضمن مشاركة السلطة القضائية والمجتمع المدني، ويحترم الضمانات القانونية، خصوصًا في ما يتعلق بحقوق الأغيار حسني النية وحماية الممتلكات من التدهور أو فقدان قيمتها.
وقال النهري إن المشروع، رغم ما يحمله من إيجابيات مؤسساتية ومالية، يجب ألا يُستخدم كذريعة لتوسيع نفوذ الجهاز التنفيذي، بل أن يُفعّل داخل منظومة متكاملة من الفاعلين المؤسساتيين، بمنطق الشفافية والتوازن.
ويأتي هذا النقاش في سياق إعلان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، يوم الإثنين 16 يونيو الجاري، عن إعداد مشروع قانون جديد يتعلق بإحداث وكالة وطنية لتحصيل وتدبير الأموال المحجوزة والمصادرة. وأوضح الوزير، في افتتاح ورشة عمل إقليمية بالرباط حول “تتبع وتجميد وحجز ومصادرة الأصول الإجرامية”، أن المشروع يهدف إلى تجاوز النواقص التي تعتري الممارسة الحالية، وتعزيز النجاعة القضائية، وتخفيف العبء على الجهاز القضائي، مع اعتماد قاعدة بيانات وطنية لتتبع هذه الممتلكات، وإمكانية التعاون الدولي في تدبيرها.
وأضاف وهبي أن المشروع يندرج ضمن التزامات المغرب بتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية، ويهدف إلى تجفيف منابع تمويل الجريمة، واستعادة الأصول المهربة، ودعم التنمية في بلدان المنطقة، من خلال توفير موارد إضافية للتمويل العمومي.