شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، يوم السبت 14 يونيو 2025، مناقشة أطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب الباحث طارق يزيدي، وذلك في موضوع: “السلطة التنظيمية للجماعات الترابية في مجالي إعداد التراب والتعمير – طنجة نموذجا: دراسة مقارنة”، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد العمراني بوخبزة، ضمن مركز الدكتوراه “القانون، الاقتصاد والتدبير”.
وقد تكونت لجنة المناقشة من نخبة من أساتذة القانون العام في المغرب، وهم:
الدكتور أحمد مفيد، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس – رئيسًا.
الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ التعليم العالي بطنجة – عضوًا ومشرفًا.
الدكتور عبد الكبير يحيا، أستاذ التعليم العالي بطنجة – عضوًا.
الدكتورة نسرين بوخيزو، أستاذة التعليم العالي بطنجة – عضوًا.
الدكتور عبد الواحد الجمال، أستاذ محاضر مؤهل بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش – عضوًا.
الدكتور هشام الحسكة، أستاذ محاضر مؤهل بمراكش – عضوًا.
الدكتور مولود إسباعي، أستاذ محاضر مؤهل بطنجة – عضوًا.
وقد ناقشت الأطروحة بعمق الإشكالية المحورية المتعلقة بمحدودية ممارسة الجماعات الترابية لسلطتها التنظيمية في مجالي إعداد التراب والتعمير، متسائلة عن طبيعة الاختصاصات القانونية المسندة إليها، ومكامن القصور، والسبل الكفيلة بتجاوزها من أجل تفعيل حقيقي لدورها المحلي.
وتندرج هذه الأطروحة في مجال القانون العام، مركزةً على العلاقة الجدلية بين التنظيم القانوني المحلي وتدبير المجال العمراني والحضري. وانطلقت من إشكالية محورية تتساءل عن طبيعة الاختصاصات القانونية المسندة إلى الجماعات الترابية، وقدرتها الفعلية على ممارسة سلطتها التنظيمية في مجالي إعداد التراب والتعمير، إضافة إلى البحث عن الأسباب التي تحول دون قيام هذه الجماعات بدورها المفترض، واقتراح بدائل علمية كفيلة بتفعيل هذه الصلاحيات على أرض الواقع.
وقد اعتمد الباحث في مقاربته على منهج استقرائي لتتبع ظاهرة السلطة التنظيمية، مع الاستعانة بـالمنهج المقارن لدراسة تجارب دولية مماثلة، والمنهج التاريخي لتفكيك تطور النصوص القانونية والممارسات المؤطرة للمجال، علاوة على التحليل العلمي لتفاعل الواقع المحلي مع الأطر التشريعية والتنظيمية
واختار الباحث مدينة طنجة كنموذج تطبيقي للدراسة، نظراً لخصوصيتها التاريخية والحضرية، إذ عرفت المدينة تدبيراً حضرياً متقطعاً أدى إلى انتشار واسع للبناء العشوائي، ما يجعلها نموذجاً حقيقياً لتحليل التداخل بين القانون والمجال. كما أولت الدراسة اهتماماً خاصاً للفترة الدولية التي عاشتها طنجة بين سنتي 1925 و1956، ثم الفترة التي تلت الاستقلال إلى حدود سنة 1967، تاريخ إلغاء الاستثناء التشريعي الذي كانت تخضع له المدينة.
وقد شكل التتبع التاريخي، مقروناً بتحليل النصوص القانونية خلال الفترة الدولية، إضافة نوعية أغنت الأطروحة ببعد تاريخي وتحليلي، يربط جذور التشريعات العمرانية المغربية المعاصرة بسياقها التاريخي والفكري.
وتضمنت الدراسة تحليلاً دقيقاً للإطار القانوني والتنظيمي للجماعات الترابية، ومدى انسجامه مع مقتضيات دستور 2011، الذي وسع من صلاحيات الفاعلين المحليين، وكرس مجموعة من الحقوق الدستورية من قبيل الحق في السكن اللائق.
كما تناولت الأطروحة بالتحليل الأنظمة القانونية والمؤسساتية المتحكمة في مجالي إعداد التراب والتعمير، وتطور اختصاصات السلطة التنظيمية المحلية في ظل اللامركزية، مع الوقوف عند تحديات توزيع الاختصاصات بين مختلف المتدخلين، وكذا تطور الرقابة الإدارية والقضائية، في ظل ازدواجية القضاء المغربي (العادي والإداري)، وتأثير ذلك على فعالية السلطة التنظيمية.
وعلى المستوى الميداني، رصدت الدراسة واقع الممارسة المحلية، خاصةً على مستوى جماعة طنجة، حيث سجل الباحث تفعيلاً محدوداً لاختصاصات التخطيط العمراني الاستراتيجي، مقابل انشغال واضح بتصحيح بعض الممارسات العمرانية المخالفة، مع غياب تصميم التهيئة منذ سنة 2016، مما يترجم قصوراً واضحاً في تنفيذ السلطة التنظيمية.
وسلطت الدراسة الضوء على تداخل الاختصاصات بين الفاعلين المحليين، من جماعات ترابية، وولاة، ووكالات حضرية، ومفتشيات جهوية، ما يعكس تعقيداً في المشهد المؤسساتي المحلي، ويضعف من نجاعة التدبير المجالي.
وفي جانب التوصيات، أكدت الأطروحة على أهمية تطوير منظومة التكوين في مجالي إعداد التراب والتعمير، عبر التكوين المستمر للمنتخبين والأطر الإدارية، وربط هذه البرامج بالجامعة المغربية كإطار موحد وفاعل في تأهيل الكفاءات، مستأنسة في ذلك بالنموذج الفرنسي.
واعتمد الباحث مقارنة موسعة بين النموذجين الفرنسي والإسباني، نظراً لما يجمع المغرب من أواصر تاريخية وقانونية مع هذين البلدين، ما سمح باستنتاج مكامن القوة والضعف في التجربة المغربية، واقتراح توصيات علمية عملية مبنية على استلهام التجارب الناجحة.
وقد خلصت الأطروحة إلى أن تعزيز السلطة التنظيمية للجماعات الترابية يتطلب إصلاحاً عميقاً وشاملاً للمنظومة القانونية والمؤسساتية والتكوينية، بما يضمن تجاوز الاختلالات الحالية، وتحقيق تنمية مجالية متوازنة ومستدامة، معتبرةً أن هذه الدراسة هي تعبير عن انتصار لمدينة طنجة ولمغرب يتطلع إلى تجاوز التشوهات الحضرية، وبناء سياسة عمرانية عادلة وفعالة.
وقد نوهت لجنة المناقشة بالمجهود العلمي والمنهجي الذي بذله الطالب الباحث، وقررت منحه لقب دكتور في القانون العام مع تنويه وتشجيع على نشر الأطروحة لما لها من قيمة علمية وأكاديمية عالية.