أكد وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أن العلاقة بين السياسي والصحافي ليست بالضرورة علاقة عداء، مشددًا في الآن ذاته على أن كلاً من الطرفين مطالب بتحمل مسؤولياته في إطار من الشفافية والمساءلة، بعيدًا عن منطق تصفية الحسابات أو إسكات الأصوات.
وأوضح وزير العدل الأسبق، في تدوينة مطولة على صفحته الرسمية، أن المسؤول السياسي غالبًا ما يُبدي تذمرًا من المتابعة الإعلامية ذات الطابع النقدي أو الاستقصائي، التي تفضح عيوب تدبيره وتسلط الضوء على مساوئ قراراته، كما أن الصحفي بدوره قد ينزعج من مقاضاته من قبل مسؤول سياسي، دفاعًا عن سمعته وردًا على ما يعتبره تشهيرًا أو افتراء.
وأضاف الرميد أن قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن تُطبَّق على الجميع، حيث إن المسؤول السياسي مطالب بتبرير قراراته وتحمل تبعات تدبيره، كما أن الصحفي مطالب بالتثبت من أخباره وتعليقاته، احترامًا لأخلاقيات المهنة وحقوق الغير.
وشدد الوزير السابق على أن المسؤول الذي توجه إليه الصحافة اتهامات بالفساد أو تطعن في أهليته الأخلاقية، ولا يلجأ إلى القضاء، فإن موقفه هذا قد يُفهم كنوع من الإقرار الضمني بما يُنسب إليه، ما يفرض عليه اتخاذ موقف واضح، قد يصل حد الاستقالة أو الإقالة. وفي المقابل، فإن لجوء المسؤول المتضرر إلى القضاء يُعتبر – بحسب الرميد – سلوكًا مشروعًا يعكس احترامًا للصحافة ولموقعه السياسي، على عكس من يصمت على التهم الثقيلة دون حتى إصدار بيان توضيحي.
وفي هذا السياق، دعا الرميد إلى أن يكون هدف أي متابعة قضائية من طرف مسؤول سياسي هو كشف الحقيقة وليس الانتقام أو التنكيل، معتبرًا أن اعتذار الصحافي أو تراجعه عن ما نُسب للمسؤول، يجب أن يُعتبر بمثابة صك براءة يُنهي فصول المواجهة القانونية، ويُطوى به ملف النزاع.
وأكد الرميد أن تخليق الحياة السياسية والإعلامية لا يتحقق إلا من خلال إعلاء قيم الحقيقة، سواء عبر حكم قضائي يُدين أحد الطرفين، أو من خلال مراجعة ذاتية صريحة. فبهذا وحده، يكتسب السياسي وعيًا بمسؤولياته تجاه الرأي العام، ويغدو الصحافي أكثر حرصًا على التثبت في الإخبار والتحليل.
وفي ختام مداخلته، أشار الرميد إلى أن أي متابعة لشخص بسبب نشر على وسيلة ورقية أو إلكترونية يجب أن تتم ضمن مقتضيات مدونة الصحافة والنشر، ما دام الفعل يُصنف ضمن الأفعال المنصوص على تجريمها في هذه المدونة، مستدلًا بالمادة 72 التي تعاقب من يتعمد نشر أخبار زائفة أو وقائع غير صحيحة عبر أي وسيلة إعلامية، سواء كانت مكتوبة أو سمعية بصرية أو إلكترونية.
وأشار أيضًا إلى أن هذه المادة تحيل على باقي مواد المدونة (81 و82 و84 و85) التي تنظم طرق تفاعل المتضررين مع جرائم القذف والتشهير، بما يضمن التوازن بين حرية التعبير وحقوق الأفراد.
واختتم الرميد بالقول إن الرقابة الإعلامية المسؤولة تجعل السياسي أكثر حرصًا على احترام القانون، ومقاضاة الصحفي غير النزيه تجعله أكثر تحريًا للحقيقة، ما يُساهم في ترسيخ الممارسة الديمقراطية وتقوية ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.