تتسارع أشغال البناء في مشروع إسمنتي ضخم وسط غابة الرميلات، آخر متنفس طبيعي لمدينة طنجة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من خطر زحف الإسمنت على ما تبقى من الغطاء الغابوي لعاصمة البوغاز.
وتتصاعد التحذيرات بعد مباشرة أشغال مشروع سكني ضخم وسط الغابة، مما يهدد بتقويض التوازن البيئي في مدينة مليونية تخنقها الكتل الإسمنتية من كل جهة، الأمر الذي يتطلب وقفة حازمة من الوالي التازي الذي ما فتئ يؤكد على محاربة البناء العشوائي مع كل ما يهدد جمالية المدينة.
المشروع، الذي بدأت أولى مراحله في قلب غابة الرميلات قبالة حديقة بيرديكاريس الشهيرة، أثار موجة غضب في صفوف هيئات مدنية وبيئية، دفعت موقع “شمالي” إلى فتح تحقيق استقصائي قبل سنة (رابط التحقيق) حول ملابسات الترخيص له، ومدى قانونية التعديلات التي طرأت على تصميمه الأصلي، في منطقة ذات رمزية بيئية وتاريخية استثنائية.
وتفيد المعطيات الحصرية أن المشروع، الموزع على ثلاث مراحل، يضم 11 وحدة سكنية، وفندقًا، ومركزًا تجاريًا، على أرض مساحتها تفوق الهكتار و95 آرا، كانت في الأصل تابعة لأملاك الدولة قبل تفويتها للخواص قبل 27 سنة . ورغم رفض المجلس الجماعي آنذاك، تمت المصادقة عليه لاحقًا بطرق تطرح أكثر من علامة استفهام.
مثير للجدل أكثر، أن التراخيص منحت تباعًا في ظروف وصفت بـ”الاستثنائية”، حيث وُقع أول ترخيص سكني بعد شهر ونصف فقط من تولي المجلس الجماعي الجديد لطنجة لمهامه، وذلك في 30 دجنبر 2021. وفي اليوم ذاته، وقعت الجماعة أيضًا رخصًا تعديلية لباقي الأشطر، التي تشمل عمارات من طابقين علويين وطابق أرضي وقبو، في خرق صريح للعلو المسموح به في منطقة كانت مصنفة سياحية-ترفيهية، لا سكنية.
خبراء في مجال التعمير وصفوا المشروع بأنه “تحايل مفضوح على القانون”، مشيرين إلى أن “الرخص الاستثنائية” (Dérrogations) كانت تُمنح أصلاً لمشاريع ذات نفع عام، لا لمجمعات إسمنتية ربحية، وأن لجنة الاستثناءات التي وافقت على هذه المشاريع لم تراعِ الخصوصية البيئية والتاريخية لغابة الرميلات.
واعتبر هؤلاء أن تحويل تصنيف العقار من منطقة سياحية إلى منطقة مشاريع كبرى، والسماح ببناء عمارات مرتفعة في منطقة تُعد آخر رئة طبيعية لطنجة، لا يُعد فقط خرقًا لقانون التعمير، بل يُهدد النسيج البيئي والمجتمعي للمدينة برمّته، في وقت تحتاج فيه طنجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى صون ما تبقى من غطائها الغابوي.
هذا التوسع العمراني وسط المجال الغابوي لم يمر دون ردود فعل. فقد أكد مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة، في بلاغ سابق، أن ما تشهده غابات المدينة عموماً، وغابة الرميلات تحديداً، من اجتثاث متواصل للأشجار وتوسّع عمراني غير قانوني، يُعد جريمة بيئية موصوفة تستوجب التدخل العاجل، وتفعيل المساطر القانونية ضد المتورطين.
الرابطة المغربية لحماية المستهلكين بدورها دخلت على الخط سنة 2021، موضحة أن العقار الذي يُقام عليه المشروع تم تفويته بثمن رمزي من طرف إدارة الأملاك المخزنية سنة 1998، بغرض إقامة منتزه ترفيهي بمواصفات واضحة (ملاعب، مسابح، فضاءات للأطفال…)، لكن أياً من هذه الالتزامات لم تُحترم، وتم تحويل العقار بمرور الوقت إلى مجمع سكني عالي الكثافة.