آخر
حزب العدالة والتنمية بالمغرب.. بين التحديات التنظيمية و رهانات الاستحقاقات الانتخابية

بقلم : ذ . بوشتى بوكزول
يُعد حزب العدالة والتنمية المغربي من أبرز القوى السياسية التي لعبت أدوارًا محورية في المشهد السياسي المغربي منذ بداية الألفية الثالثة. ورغم الانتكاسة التي تعرض لها في الانتخابات التشريعية لسنة 2021، حيث مُني بهزيمة قاسية أفقدته موقعه القيادي، لا يزال النقاش مفتوحًا حول مستقبل الحزب، سواء من الناحية التنظيمية أو من حيث حظوظه السياسية في الاستحقاقات القادمة.
عقب تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة، والتي فقد فيها أزيد من 90% من مقاعده البرلمانية، دخل العدالة والتنمية في مرحلة مراجعة داخلية عميقة. وقد شهد الحزب استقالات، نقاشات حادة حول المسؤوليات، ومحاولات لإعادة ترتيب الصفوف. الأزمة لم تكن فقط انتخابية، بل كشفت آنئذ عن هشاشة في البناء التنظيمي وارتباك في الخطاب السياسي، وهو ما جعل الحزب أمام مفترق طرق مصيري.
فما هي أبرز التحديات التنظيمية والإصلاحات الممكنة ؟
على المستوى التنظيمي، يواجه الحزب تحديات حقيقية، من أبرزها:
+ تجديد القيادة : بعد تقديم الأمين العام السابق استقالته، تم انتخاب قيادة جديدة بقيادة الأستاذ عبد الإله بنكيران، مما أعاد بعض الزخم للحزب، لكنه لم يُنهِ الجدل حول استراتيجيات المرحلة المقبلة.ولئن كان عبد الإله بن كيران مرشحا قويا لنيل كرسي الأمانة العامة من جديد ٫ خلال المؤتمر الوطني التاسع للحزب ، المقرر عقده يومي 26 و27 أبريل 2025، فليس لكونه المرشح الوحيد داخل الحزب ٫ لكنه يظل المرشح الأقوى ٫ بالرغم من وجود أسماء أخرى بارزة في الحزب كادريس الأزمي الإدريسي وعبد الله بوانو: وهما قياديان بارزان يُنظر إليهما كبدائل محتملة، لكنهما لم يعلنا ترشحهما رسمياً بعد ٫ مع العلم أنه وفقًا لمساطر الحزب، يجب على أي مرشح الحصول على دعم 10% على الأقل من المؤتمرين ليُقبل ترشيحه رسميًا.
ولئن كانت بعض الأصوات من داخل الحزب ترى أن بنكيران يمتلك « قدرات ومؤهلات تجعله مرشحًا بقوة للاستمرار على رأس العدالة والتنمية » ٫ فمن جهة أخرى، يُشير آخرون ، إلى أن “النقاش الحقيقي خلال المؤتمر هو ما يتضمنه برنامج العدالة والتنمية لا بقاء بنكيران أمينًا عامًا من عدمه”.
وإذا كان الرأي الثاني يحظى بوجاهة كبيرة لكونه يرى بأن معضلة العدالة والتنمية تتجاوز كرسي الأمانة العامة ، إلى مسألة البرامج والتصورات ٫ فإن الرهان الذي يفرض نفسه بإلحاح ٫ هو عن أطروحة الحزب للمرحلة المقبلة بما تمثله من إجابات عن إشكالات العلاقة مع السلطة في ظل الاستحقاقات والإكراهات الإقليمية والدولية ؟ العلاقة مع باقي الفرقاء السياسيين ، وطبيعة التحالفات الممكنة ؟ طبيعة الخطاب السياسي ؟ تقديم إجابات مقنعة وواقعية للإشكالات الاجتماعية البنيوية ٫ والتحديات الاقتصادية التي أضحت ترهن المغرب أمام دوائر القرار ؟
+ إعادة بناء الثقة الداخلية: من الضروري معالجة الانقسامات الداخلية، وتفعيل الآليات الديمقراطية الداخلية التي كانت أحد مصادر قوة الحزب في فترات سابقة.
+ الانفتاح على الشباب والكوادر الجديدة: تمثل إعادة استقطاب الطاقات الشابة وتكوينها رهانًا ضروريًا لتجديد الدماء داخل الهياكل التنظيمية.
+ تطوير الخطاب السياسي: من المهم تجاوز الخطاب التقليدي الذي أصبح أقل جاذبية للرأي العام، في اتجاه خطاب عقلاني وبراغماتي يستجيب لتحولات المجتمع المغربي.
الاختيارات الحكومية المثيرة للجدل وتداعياتها على مسار الحزب ومن بينها : «قانون القنب الهندي واتفاقيات التطبيع» :
من بين أبرز العوامل التي ساهمت في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في المرحلة السابقة، تلك المرتبطة بمواقف وقرارات حكومية وُصفت من قبل عدد من المتتبعين والناشطين داخل القاعدة الإسلامية أو المحافظة بـ”المتناقضة” مع مرجعية الحزب ومواقفه المعلنة سابقًا.
+ المصادقة على قانون تقنين القنب الهندي « الكيف » رغم أن القانون جاء في إطار مقاربة اقتصادية وتنموية تستهدف تحسين أوضاع مناطق الشمال، فإن تبني حكومة يقودها حزب ذو مرجعية إسلامية لهذا القانون أثار جدلًا كبيرًا. عدد من أنصار الحزب، وخصوصًا من قواعده القاعدية والشبابية، اعتبروا ذلك نوعًا من التنازل عن المبادئ، ما ساهم في اهتزاز صورة الحزب ومصداقيته لدى جزء من قاعدته الانتخابية.
+ توقيع اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني: شكل الضربة الأقوى لشعبية الحزب جاءت من توقيعه اتفاق إعادة العلاقات مع إسرائيل أواخر سنة 2020. وعلى الرغم من أن القرار كان سياديًا من الدولة، إلا أن تولي رئيس الحكومة في حينه (سعد الدين العثماني) توقيع الاتفاق شكل صدمة قوية للقاعدة الحزبية التي لطالما تبنت مواقف داعمة للقضية الفلسطينية ورافضة للتطبيع.
هذا السلوك قرأه كثير من المتتبعين تناقضا بين المبادئ والممارسة أضعف الحزب أخلاقيًا وسياسيًا، وأفقده دعمًا شعبيًا كان يعتبره من ثوابته.
وبالرغم من كون بيانات الحزب وتصريحات أمينه العام جاءت بعد ذلك لتوضح طبيعة الموقف من التطبيع بما يعكس تحوّلًا في خطاب الحزب بعد خروجه من الحكومة، حيث أصبح أكثر انتقادًا للتطبيع، متقاربًا مع قاعدته الإسلامية والشعبية. جاء ذلك في كلمة مصورة خلال اجتماع الأمانة العامة للحزب في الرباط، حيث دعا بنكيران إلى “إعادة النظر” في اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، معتبرًا أن التطورات الأخيرة، خاصة العدوان على غزة، تُسقط أي مبرر لاستمرار هذه الاتفاقات. وذلك بقوله : « الاتفاقات التي تجمع دولتنا بما يُسمى إسرائيل لم يعد لها مبرر معقول أو منطقي أو أخلاقي » .
إلا أن السؤال الذي وجب على الحزب تقديم إجابة شافية عنه ٫ هو من قبيل ما طرحه الصحفي سليمان الريسوني بقوله : لا تعتذروا عن تطبيع العثماني ٫ فقط اضمنوا للمغاربة أن ال pjd لن ينفذ التطبيع إذا عاد للحكومة .
وإذا أردنا أن نصيغ سؤالا على منوال ما طرحه الريسوني ٫ فسنكون إزاء الإشكال التالي :
كيف سيكون موقف العدالة والتنمية من التطبيع من موقع التدبير الحكومي ؟
والجواب في تقديرنا يعتمد على فهم التركيبة السياسية للحزب، وتجربته السابقة في الحكم، إضافة إلى الظروف الإقليمية والدولية.
من الملاحظ أن الموقف المبدئي للحزب هو ضد التطبيع فالعديد من قياديي الحزب، وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران، صرّحوا بوضوح أن التطبيع لا ينسجم مع قيم الأمة ولا مع إرادة جزء كبير من الشعب المغربي.
إلا أن تجربة 2011–2021 بيّنت أن الحزب، حين يكون في الحكومة، يُراعي التوازنات الكبرى للدولة «ما يُعرف بـ الخطوط الحمراء» ٫ فحين وُقّع اتفاق التطبيع سنة 2020، لم يكن الحزب صاحب القرار، بل نفّذ اتفاقًا دخل في إطار توجهات الدولة العليا مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء .إذًا، حتى لو عاد إلى الحكم، سيكون مقيدًا بهذه التوازنات، ما يعني أن العودة إلى الوراء (إلغاء الاتفاق) صعب جدًا.
إلا أن السيناريوهات التي نتوقعها أن الحزب لن يسعى إلى توسيع أو تعميق التطبيع (زيارات رسمية، اتفاقيات ثقافية أو عسكرية… وقد يتخذ مواقف رمزية رافضة أو ينتقد بشدة الاعتداءات الإسرائيلية، ويُطالب بمراجعة الاتفاق إذا وقعت أحداث جسيمة [ كما يحدث في غزة] ٫ إلا أن إلغاء التطبيع كليًا غير مرجّح إلا إذا تغيّر موقف الدولة ككل، أو حدث تحول إقليمي كبير.
الآفاق السياسية: فرص الحزب في الانتخابات المقبلة
سياسياً، تبدو مهمة العدالة والتنمية صعبة، لكنها غير مستحيلة. فالعودة للمشهد السياسي تتوقف على عدة عوامل:
• تحولات الساحة السياسية: إذا فشلت الأحزاب الحاكمة الحالية في تقديم بدائل فعالة، قد يستعيد الحزب جزءًا من شعبيته خاصة بين الطبقة الوسطى والمتضررين من الأوضاع الاقتصادية.
• إعادة بناء الخطاب المعارض: بصفته حزبًا معارضًا حاليًا، فإن تطوير خطاب نقدي مسؤول قادر على إقناع الناخبين قد يمنح الحزب فرصة للعودة.
• التحالفات المستقبلية: قدرة الحزب على بناء تحالفات ذكية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، قد تعزز من حظوظه في بعض الدوائر الانتخابية.
• تجديد الثقة مع القاعدة الشعبية: يظل الرهان الأهم هو استعادة ثقة المواطنين، والتي تحتاج إلى وقت، ومصداقية، وعمل ميداني متواصل.
يعيش حزب العدالة والتنمية اليوم لحظة مفصلية في تاريخه السياسي. وبين الحاجة إلى إصلاح تنظيمي داخلي عميق، ومتطلبات موقعه كقوة معارضة، يبقى مستقبله رهينًا بقدرته على تجديد ذاته، والانفتاح على المجتمع، ومواكبة التحولات السياسية والاقتصادية التي يعرفها المغرب. ومع اقتراب الاستحقاقات المقبلة، سيُختبر مدى نجاعة هذه المراجعات، ومدى قدرة الحزب على استعادة جزء من مكانته في المشهد الحزبي المغربي.