مقالات الرأي

أيمن الزبير يكتب: “الاختناق المروري في طنجة”

إذا كنت من سكان طنجة، فربما لاحظت في الآونة الأخيرة تصاعد الحديث عن أزمة المرور التي تعصف بالمدينة. غالبًا ما يُربط هذا الاختناق المروري بارتفاع عدد المركبات المسجلة في المدينة، وهو تفسير قد يبدو مقنعًا في البداية لكنه لا يُغطي الصورة كاملة. المشكلة أكبر بكثير من مجرد زيادة عدد السيارات.

لنبدأ بالحقائق. في عام 2023، كشف تقرير المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام هامة: حتى نهاية ديسمبر 2022، بلغ أسطول المركبات في المغرب 4,274,337 مركبة، منها 2,808,830 سيارة شخصية و1,183,421 مركبة مخصصة للخدمات. إذا افترضنا، بناءً على معطيات تقريبية، أن 8% من هذه المركبات تواجد في طنجة (وهي فرضية يمكن التشكيك في دقتها)، فهذا يعني أن 341,947 مركبة تتجول في شوارع المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1,275,428 نسمة. هذا يعني أن هناك سيارة واحدة لكل ثلاثة إلى أربعة أشخاص.

لكن هل هذا يعني أن كل شيء يتلخص في عدد السيارات؟ بالطبع لا. دعونا نضع هذه الأرقام في سياقها المناسب، ونقارنها مع مدينة أخرى ذات خصائص مماثلة: بلنسية الإسبانية. على الرغم من أن عدد سكان بلنسية لا يتجاوز 788,842 نسمة، فقد تم تسجيل 338,000 مركبة في المدينة، ما يعني أن حوالي 43% من سكانها يمتلكون سيارات. وعلى الرغم من هذه النسبة المرتفعة، لا تواجه بلنسية الاختناق المروري ذاته الذي نراه في طنجة. فما السر وراء ذلك؟

أحد الأجوبة الأكثر منطقية هو الفجوة الكبيرة في البنية التحتية بين المدينتين. بلنسية، ثالث أكبر مدينة في إسبانيا، تمتلك شبكة مواصلات عامة متطورة تتضمن الميترو والحافلات التي تغطي معظم أنحاء المدينة. في المقابل، تفتقر طنجة إلى شبكة مماثلة، إذ لا وجود للميترو أو الترام، وعدد الحافلات لا يتجاوز 150 حافلة، وهي لا تلبي احتياجات السكان بشكل كامل. هذه الفجوة في النقل العام تجعل من المستحيل على المواطنين في طنجة الاعتماد على وسائل النقل العامة في تنقلاتهم اليومية، مما يفرض عليهم استخدام سياراتهم الخاصة، سواء في الرحلات الطويلة أو حتى القصيرة.

لكن الأرقام لا تنتهي هنا. فطنجة أيضًا تشهد عددًا كبيرًا من سيارات الأجرة، والتي تقدر بحوالي 1,500 إلى 2,000 سيارة، في حين أن بلنسية تمتلك حوالي 3,000 سيارة أجرة. ورغم ذلك، لا يبدو أن تأثيرها على حركة المرور في بلنسية يشكل نفس الضغوط كما في طنجة. وهذه نقطة مهمة يجب وضعها في الحسبان عند محاولة تفسير أسباب الاختناق المروري.

إذن، ما الذي يجعل طنجة مختلفة؟ الجواب يكمن في ثقافة استخدام السيارة. في طنجة، تجد أن كثيرًا من المواطنين يصرون على استخدام سياراتهم الخاصة حتى في التنقل لمسافات قصيرة جدًا. فعندما نقارن مع مدن أخرى مثل بلنسية، حيث يميل السكان إلى استخدام وسائل النقل العامة أو المشي في المسافات القصيرة، نكتشف أن الفرق ليس فقط في البنية التحتية، بل في العقلية الاجتماعية التي ترى في امتلاك السيارة وسيلة أساسية للتنقل، حتى لو كانت الخيارات الأخرى متاحة.

وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل العامل الحيوي الآخر: غياب البنية التحتية للنقل العام. إذا نظرنا إلى الميترو في بلنسية، الذي يتيح للسكان التنقل عبر تسعة خطوط، ويخدم حوالي 90 مليون راكب سنويًا، نجد أن طنجة ما تزال بعيدة عن توفير مثل هذا النظام المتكامل. فلا ميترو، ولا ترام، ولا حتى قطارات كهربائية لتخفيف الضغط على الطرق.

إذا أردنا حلولًا جذرية للاختناق المروري في طنجة، ينبغي على المدينة أن تسلك طريق التخطيط العمراني الذكي وتعزيز البنية التحتية للنقل العام. يجب أن نتوقف عن التحدث عن التقليل من عدد السيارات فقط، بل يجب العمل على توفير شبكة ترام واسعة وخطوط حافلات إضافية، مع تحسين التنقل داخل الأحياء المختلفة، بحيث تصبح وسائل النقل العامة خيارًا أوليًا للمواطنين.

لكن الأمر لا يقتصر على مجرد البنية التحتية. هناك حاجة أيضًا إلى تغيير الثقافة، وهي قضية شائكة. يجب على السلطات أن تقوم بحملات توعية تهدف إلى تغيير العقلية السائدة والتي ترى في استخدام السيارة الخاصة الخيار الأفضل، حتى عندما تكون الطرق مزدحمة.

إذن، الحل ليس في تقليص عدد السيارات فقط، بل في إعادة تنظيم شبكة المواصلات وتحفيز المواطن على الاعتماد على وسائل النقل العامة. فقط حينما نجد التوازن بين تحسين وسائل النقل العامة وبين التغيير في ثقافة التنقل، يمكن أن نتوقع تحسنًا فعليًا في حركة المرور في طنجة.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق