آخر

خواطر بوشعيب عمران: “منادات جريح”

عند المساء، تعود الطبيعة إلى سكينتها، فتعود الطيور إلى أوكارها، تفرح الكبيرة منها بصغيرتها عند عودتها. الأفاعي أيضًا تعود إلى جحورها، والحيوانات إلى الإسطبلات، والأغنام إلى الحضائر. يفرح صاحبها باستقبالها، يلهو مع صغارها، يفتش في جسدها ويطعم جياعها.

حل الغروب وأخذ المكان هدوءه وسكينته. عدت صوب المنزل الذي شهد ميلادي، المنزل الذي ترعرعت فيه وسط عائلتي. ذلك المنزل الذي كانت أمي تستقبلني فيه بابتسامة دافئة عند عودتي. لكن لم يبق المكان كما كان، ولم تعد صلة الرحم كما عهدناها. شعرت بالخوف والرعب من هذا الزمن الرهيب، الزمن الذي لم تعد فيه العائلة كما كانت، ولم يبق من يفرح أو يستقبلك عند عودتك، سواء كنت حزينًا أم سعيدًا.

ستمطر السماء بإذن الله، ومن دموعها ستسقي الأرض، ويبتسم الإنسان مع أحلامه كما ستبتسم صغار العصافير مع الأزهار. سيعم العالم البهجة والسرور، وستدخل السعادة إلى كل البيوت، وستتعالى زغاريد النساء في كل مكان.

لكن سيأتي الخريف، وسيتبخر كل شيء. الأودية والأنهار والبحيرات والسدود ستجف، ستتساقط أوراق الأشجار، وتموت الأزهار، وتغيب الأصوات. حينها ستتبخر أحلامنا أيضًا.

كل ذلك وقع داخل كياننا وأحاسيسنا، لكنه لم يقتل قلوبنا أو أجسادنا. وعندما تعود العائلة واحدة كما كانت، سأعود إلى حضنها. ستستقبلني أمي في قبرها، وسيفرح الجميع. سنفتش في أجساد صغارنا، نطعم جياعهم ونحميهم من أوساخ الدنيا. سنزور المقابر التي دفنت فيها عائلتنا، نبكي، ويبكي معنا الجميع.

بوشعيب عمران

10/10/2012

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق