سلايدر الرئيسيةكلمة شمالي

في ذكرى طوفان الأقصى .. عالم جديد يتشكل!!

  1. تحل اليوم الاثنين 7 أكتوبر 2024 الذكرى السنوية لعملية طوفان الأقصى الذي قادته حركة المقاومة الإسلامية حماس في غلاف غزة صبيحة السبت السابع من أكتوبر من السنة الماضية، وهي العملية التي كان لها ما بعدها من تداعيات، إذ شكلت هذه اللحظة من التاريخ نقطة تحول استراتيجي في العالم وستظل عِبَرها ودروسها تدرس في أكاديميات التدريس العسكري، بأن القوة وكرامة الشعوب يمكن لها أن تنبثق من خلف الحصار المستمر وأن تُخرج من الضعف قوة وسلاح وإرادة لا تنكسر، ومن أن الانتصار لا يعني امتلاك السلاح من دول الغطرسة الاستعمارية لتعطى لأيادي مرتعشة، وإنما النصر والكرامة يأتيان من سواعد تؤمن بالقضية وعدالتها ومستعدة للفداء من أجل الفكرة، خاصة إذا كانت هذه القضية هي عقيدة في نفوس المسلمين إسمها فلسطين وفي عمقها مسرى النبي الكريم المسجد الأقصى المبارك، الذي سميت هذه المعركة باسمه “طوفان الأقصى”.

وفكرة المقاومة كما هو معلوم متجذرة في الشعوب والأوطان العربية والإسلامية وبها طرد المرابطون في الثغور الاستعمار -على الأقل المادي منه- من أوطانهم، ليستمر الاستعمار الثقافي والاقتصادي في التحكم في استقلالية الدول في اتخاذ قراراتها المصيرية في التحرر والانعتاق من بوتقة الاحتلال، ليأتي طوفان الأقصى ليحييَ الأمال في إمكان أفق التحرر من قيود الاستعمار الثقافي والتبعية والخنوع وتشكل الوعي بقطع حبل الناس عن الغطرسة الغربية التي تكسّرت مع حجرة تداعيات معركة طوفان الأقصى بعد التغطية السياسية والعسكرية على حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها آلة القصف الصهيوني بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ في غزة من طرف زعيمة التيار الغربي الحداثي أمريكا.

بات من شبه المؤكد أن معركة طوفان الأقصى شكلت الانعطافة الكبرى لبداية تشكُّل عالم جديد، صحيح أن جائحة كورونا كانت بوارده الأولى، وبدت تجلياتها الاقتصادية والسياسية وأبعادها الديمغرافية والاجتماعية في العالم، وأثرها التكنولوجي والرقمي في تشكل الوعي الجديد، وآثاره القيمية والثقافية وتصدير مبادئ ما بعد الحداثة والسيولة الأخلاقية في المجتمعات، وحالة التقاطب العسكري والأمني والاستراتيجي بين الأمم ونهاية التسليم بأطروحة “نهاية التاريخ” مع تشكل عالم جديد بأقطاب أخرى، لتأتي معركة طوفان الأقصى لتعيد ثنائيات الحق والباطل والخير والشر والاستعمار والتحرر والإبادة الجماعية للمدنيين والمقاومة الشرسة على الأرض والانسان والمقدسات إلى أجندة الشعوب والقوى في العالم.

إن المقاومة التي لا زالت تقدم دروسا في التضحية والوفاء للفكرة القائمة على تحرر الأوطان وقدمت قيادتها في الصف الأول وأبناءهم وأحفادهم فداء للأقصى المبارك، وأعادت إحياء مركزية قضية فلسطين في نفوس الشعوب العربية بل والعالمية وما حراك الشارع الغربي واستفاقته من العمى الايديولوجي الذي شكله الاعلام الغربي حول العالم الآخر ومنها فلسطين، وهي الصورة التي بدت ناصعة بعد معركة الطوفان في اتجاه الانتصار لحق الشعب الفلسطيني وخلفه الشعوب العربية والإسلامية في حقهم في أرض الميعاد، وأن نهاية كيان مستعمر مدعوم من نفاق الغرب أصبحت مسألة وقت فقط، لذلك لم تكن هذه المعركة ردة فعل على عدوان مستمر منذ 76 سنة فقط بل هو فعل وبداية تحرر وطني وامتلاك أسباب الانتصار على مغتصب الأرض رغم عدم تكافؤ السلاح بل وأظهرت المعركة رجحان كفة المقاومة في الانتصار العسكري أيضا الأمر الذي حير عقول المتخاذلين.

في مقابل ذلك أعادت معركة طوفان الأقصى صورة الكيان الصهيوني إلى الصفر وما تحته ودمَّرت نفسية المستوطنين فيه،  وما حالة الهجرة المعكوسة لليهود المُهجرين من أرض فلسطين المحتلة إلى أوطانهم الأصلية في شرق أوربا وأمريكا وبعض الدول العربية لخير دليل، ورغبتهم في الرحيل هاته تنم عن الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني ووحله وغرقه في غزة في مقابل الهزيمة التكتيكية للفلسطينيين في خسارة الأرواح والنفوس التي تقابلها الشهادة التي يتمنوها بعقيدة راسخة في أن لكل تحرر أثمان.

فلماذا تشكل  إذن ذكرى طوفان الأقصى علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لأنه أعاد ترتيب أولوية قضية فلسطين في نفوس الناشئة أجيال الغد وشبابه ونسائه ورجاله، بل إن هذا الوعي اخترق فضاءات لم يكن ليصلها لولا حرب الإبادة الجماعية التي كانت ردة فعل على معركة طوفان الأقصى، ويمكن أن نقطف صورة عملية ماهر غازي لنفكك بها الوعي بإيمان القضية تجاوز المعمول به لدى الحركات المؤطرة بثقافة وأطروحات ناجزة تجاه القضية الفلسطينية إلى ديناميات شعبية تتوسع ويزداد معها الوعي بعدالة وقيمة قضية فلسطين.

فإذا كان هذا التاريخ الذي انطلقت منه هذه المعركة، قد أوقف تيارا جارفا لتهويد القدس ومحاولة طمس معالمه، وتجريف رسمي للقضية الفلسطينية مع مسلسل التطبيع الذي اخترق جل الأنظمة العربية، فإنه الآن بعد سنة من البطولات المسطرة في ميدان الحرب، والتي توسعت إلى لبنان واليمن والعراق في محاولة الكيان الصهيوني لتصدير أزمته والفشل أمام أبطال غزة، فإن الالتحام الشعبي العربي وفي العالم مع قضية فلسطين يتوسع بشكل مضطرد وملحوظ، وما مسيرة أمس الأحد الحاشدة  بمدينة الرباط في إحياء ذكرى الطوفان والمعبرة والتي تجسدت في طوفانٍ بشري مغربي خالصٍ، كانت بمنزلة استفتاء على رفض استمرار التطبيع مع كيان همجي قاتل للأبرياء من طرف الدولة المغربية.

 

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق