كلمة شمالي
“كلمة شمالي”: الوساطة السياسية في اضمحلال.. بأي حال عدت يا 8 شتنبر؟!
تحل اليوم الأحد 8 شتنبر الذكرى الثالثة “للخطيئة السياسية” كما ينعتها معظم من يؤمن بالحد الأدنى من الاختيار الديمقراطي الذي ارتقى مع الوثيقة الدستورية لسنة 2011 إلى ثابت رابع من ثوابث الأمة المغربية انضاف إلى أركان المملكة الشريفة مع الدين الإسلامي و الملكية الدستورية والوحدة الترابية.
وتحل مع هذه الذكرى حالة استياء عارم من مخرجات انتخابات الثامن من شتنبر من سنة 2021، وما صاحبها من لغط كبير حول الكفاءات التدبيرية التي بشر القابضون على تسيير شؤون العباد والبلاد، والتي لم ينتهي بها الحال سوى في السجون أو المتابعات القضائية وما بقي منهم فهو متهم في حالة سراح حتى تنكشف أسرار هذه “النخب” إلا من رحم ربي.
ومع اضمحلال صورة المنتخبين الجماعيين عموما ومدبري الشأن العام وممثلي الأمة، ومعه ضرب دور الوساطة السياسية التي يقوم بها الفاعلون في الحياة العامة، والتي يعود قسم كبير من إشكالاتها إلى الاختلالات التي شابت العملية الانتخابية ومعها ضرب صورة التمثيل السياسي عموما، الأمر الذي دفع إلى زيادة منسوب فقدان الثقة في العملية السياسة برمتها، وأصبح الخطاب الاحتجاجي يوجه مباشرة إلى مستويات من دوائر السلطة السياسية لم يكن ليصلها الانتقاد والاحتجاج لولا وجود هذه الفجوة في اضمحلال أدوار الوساطة السياسية بسقوط صورة الفاعل الحزبي “الپاراشوط” الذي وجد نفسه بفعل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في صلب العملية التدبيرية، وما رافق ذلك من متابعات قضائية لهذا الصنف من الكائنات السياسية بفعل الفساد التدبيري والمالي وغيرهما..
والذي يعضد هذا المشهد السريالي في الحياة السياسية هو زيادة فقدان الثقة في المؤسسات الدستورية، وهو ما تفسره بروز أشكال جديدة للمشاركة السياسية خارج الفضاءات التقليدية، واستقالة الأحزاب السياسية عن القيام بمهام التأطير والاقتراح وإنتاج الأطر والقيام بدور الوساطة الحقيقي، فمثلا وبتقييم بسيط للأداء البرلماني منذ مدة ليست بالقصيرة، هناك ممارسة شاردة عن تطلعات المواطنين وفقدان المبادرة إلى الفعل السياسي الجاد والمسؤول والملتصق بهموم الناس.
طبعا ما نجنيه هو نتيجة حتمية لمحاولة وأد فكرة التمثيل السياسي التي تجسده الاحزاب والشبيبات الحزبية والفاعلين في الحياة الجمعوية والنقابية، من خلال استهداف الفعل الجاد وخلط الأوراق وجمع الفعل الحزبي والنقابي في سلة واحدة بخطاب التبخيس والاستهداف، صحيح أن الممارسة الحزبية والنقابية في جزء كبير منها شابتها نتوءات كبيرة والتي أصبحت دائرتها تتسع لتصل إلى إطارات حزبية كانت إلى أمد قريب مشتل للتنخيب والممارسة الحزبية الجادة، الأمر الذي سهل محاولة وأد فكرة التمثيل السياسي.
إن ما يحصل يا سادة في الممارسة التدبيرية لشؤون المغاربة في المجالس المنتخبة والمؤسسات الدستورية الأخرى هو محاولة جادة لتبخيس فكرة الديمقراطية التمثيلية وأيضا الديمقراطية التشاركية وآليات التشاور العمومي وإفراغها من محتواها الأصيل في مقابل اتساع دائرة ديمقراطية الاحتجاج وضرب مؤسسات الوساطة، في مقابل تغول مؤسسات التي يديرها “المُعَيَّن” والسطو على اختصاصات أصيلة للمنتخبين، مما ينذر بحالة سريالية أكبر للمؤسسات التي تمثل الساكنة والمواطنين، إن لم نقم بوقفة تأملية وقرار حازم على أعلى مستوى في إعادة الاعتبار لمعنى الفعل العمومي ولمبنى الهياكل الحزبية وتفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقديم إجابة شافية جماعية لأعطاب نموذجا التنموي بعيدا عن البعد التقني، واستشراف أفق واعد للأجيال الحالية واللاحقة بمغرب يتسع للجميع.