مقالات الرأي

خواطر سدراوي.. “من المحدود إلى اللامحدود “

الدكتور عزيز سدراوي

كيف يمكن لأي إنسان أن يعيش في عالم محدود الأبعاد، وأن يقاوم ويثابر حتى يخرج من هذا العالم إلى عالم اللامحدود.

تفتح أعينك في عالم تعتبره كل العالم و تبني كل أحلامك، آمالك، مستقبلك باختصار على ما تشاهده في عالمك المحدود.
نسرد هنا قصتين متطابقتين و متوازيتين، لشخصين كل الرابط بينهما أنهما عاشا في عالم محدود بآماني وأحلام محدودة ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف، في عالم اللامحدود.
و هما بدون أدنى شك، يمثلون كل من عاش في المحدود و خرج صدفة الى اللامحدود.
الأول، شاب من أعماق الريف السوسي المغربي، حيث لا كلمة تعلو فوق اللهجة السوسية، كل عالمه المحدود في الجبال التى تحيط به و خرفانه و معيده و بقيراته، الصباح هنا يأتي باكرا باردا و تلوح في الأفق نفس المناظر و نفس المجسمات، جبال، خضرة فوق حمرة التربة، شجيرات، وأشجار، منازل متناثرة هنا و هناك و مدرسة.
إنه العالم المحدود.
كان له حظ كبير أنه يذهب إلى تلك المدرسة، و كان متفوقا، نعم متفوق و فطن جدا.
الصباح يدرس اللغة العربية الفصحى، ثم يعود إلى عالمه السوسي البربري.
الأيام تعدي بل الأشهر ثم السنوات، والنجاح تلو النجاح فإذا به يجد نفسه سيغادر عالمه هذا ليلتحق بالمدينة الكبيرة التي سيتابع فيها دراسته الإعدادية ثم الثانوية.
و في المدينة يتفاجئ أن ما كان يدرسه من لغة عربية في المدرسة ليس له أي صلة بلغة التواصل في الشارع، في المدرسة كانت الفصحى و في الشارع هناك الدارجة أو مزيج بين الدارجة و السوسية.
الصدمة كانت قوية لكنه كان أقوى وأقوى من هذا العالم اللامحدود الذي لتوه دخل في ثناياه.
فطنته و ذكائه مكنوه من تجاوز العقبات و الصعاب، أتقن العربية الفصحى و الفرنسية ثم الإنجليزية وكذلك الدارجة التي أصبحت سلسة و سهلة في لسانه.
تجاوز الباكالوريا باقتدار و كل جدارة، قرر السفر إلى العاصمة لتجاوز مباراة أحد المعاهد ذات الصيت في الإدارة، وهنا يصطدم بواقع هذا العالم اللامحدود الذي لا يعترف بذلك القادم من عالم محدود و محدود جدا.
ما اسمك؟ عبد الله
أعني اسمك العائلي، كذا و كذا
ماذا يعني هذا الإسم، يعني الرجل الشجاع في الأمازيغية السوسية
قهقهة كبيرة لذلك اللامحدود ذو الاسم المعروف الذي ينتمي الى تلك المدينة بين مكناس و تازة.
شكرا لا يمكنك دخول عالمنا اللامحدود.

الثاني، أيضا من اعماق جبال الريف، كانت المدرسة تبعد عن منزله أربعة كيلومترات، كان عليه تجاوزها كل يوم، و كان عليه الانتظار بين حصة العربية و الفرنسية ساعتان في الخلاء، فنظام الدراسة كان يقوم على المناوبة، حيث كان الفوج الأول من السابعة و النصف إلى التاسعة والنصف ثم الفوج الثاني من العاشرة إلى الثانية عشر، ثم يعود الفوج الأول من الثانية عشر والنصف الى الثانية والنصف ثم الفوج الثاني يعود من الساعة الثالثة إلى الساعة الخامسة، مع يومي عطلة الجمعة و الأحد.
هذا الإنسان كان تجاوزه لكل هاته العقبات محض صدفة، بل ومجرد أن والدته كانت تجبره على الدراسة.
تدرج كذلك في جميع المستويات، وصل إلى أعلى المراتب، أنه الآن أستاذ بكلية ما بإحدى المدن لكن لكنته فكره مستواه الاجتماعي لا يمت بصلة الى هذا العالم اللامحدود، و الحظ لعب معه لأن تتلمذ على يد أساتذة هم أيضا لا تربطهم أي علاقة بالعالم اللامحدود، كان يكونوا يعيشون في الحدود بين العالمين أو هم ثائرون على هذا العالم اللامحدود.
المهم أنه وصل لكن كأنه لم يصل إلى مبتغاه.

مفاده، هل النجاح في الخروج من عالم المحدود، عالم أفقه البعيد هو تلك الهضبة التي تغطي ما ورائها أو ذلك الجبل الذي يبدو شامخا يحول بينك و بين الأفق، الى عالم اللامحدود، عالم كله حواجز و موانع، متاهات بل و فخاخ، هو كل المبتغى…

و للقصة بقية…

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق