آخر
بميزة مشرف جدا والتوصية بالنشر.. عبد السلام الزبخ يناقش أطروحة الدكتوراه حول “نظام اللاتمركز الإداري بالمغرب”
ناقش الطالب الباحث عبد السلام الزبخ أطروحة لنيل الدكتوراه تحت إشراف الدكتور عبد الكبير يحيا تمحورت حول موضوع “نظام اللاتمركز الإداري بالمغرب ورهان دعم الجماعات الترابية”، حيث قررت لجنة المناقشة منح الدكتور عبد السلام الزبخ ميزة مشرف جدا مع التنويه من اللجنة والتوصية بالنشر.
وترأس لجنة المناقشة عضو لجنة النموذج التنموي الجديد وعميد كلية الحقوق بتطوان الدكتور محمد العمراني بوخبزة، بالإضافة إلى الدكتور إبراهيم مراكشي والدكتور سليمان احساين والدكتور عبدالواحد الخمال، كأعضاء لجنة المناقشة.
ويكتسي الموضوع راهنية من التطورات المرتبطة بمراجعة منظومة اللامركزية، التي أبانت تطبيقاتها في المراحل السابقة عن ضرورة إسنادها بنظام فعال للاتمركز الإداري يضمن تناسق وتعاون مختلف المتدخلين الترابيين. غير أن نظام اللاتمركز الإداري بالمغرب لم يواكب التطورات المتلاحقة التي مست الإطار القانوني للامركزية، الأمر الذي انعكس سلبا على رهانات التكامل والالتقائية في المبادرات والبرامج التنموية المحلية.
وفي ضوء ذلك أكد دستور 2011 على ضرورة تحقيق التكامل بين هيئات اللامركزية واللاتمركز من خلال توجيه ممثلي السلطة المركزية لمساعدة المجالس المنتخبة على إنجاز برامجها التنموية وضمان التنسيق بين المصالح اللاممركزة. وهو ما أكدته القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والميثاق الوطني للاتمركز الإداري.
انطلاقا من هذا التصور يتأطر البحث ضمن رؤية تنشد رصد أوجه التلاقي بين اللامركزية كأساس للديموقراطي المحلية وبين اللاتمركز الإداري كنظام لتفويض ونقل صلاحيات القطاعات الوزارية نحو المصالح اللاممركزة، مع المراهنة على مقاربات القرب والاستهداف لإسناد الجماعات الترابية في إنجاح تدخلاتها وتخطي العقبات التي قد تواجهها في تخطيط وتنفيذ برامجها ومشاريعها. وهنا يكمن الدور الإيجابي للإدارة الترابية ولكافة المصالح اللاممركزة في تقديم الخبرة والاستشارة إلى جانب الدعم اللوجستيكي والمادي.
وفقا لهذا التأطير يمكن تحديد موضوع الأطروحة في ثلاثة أبعاد متكاملة، بعد قانوني رصد من خلاله الباحث مجالات تفاعل نظامي اللامركزية واللاتمركز، وبعد مؤسسي عن طريق رصد مسارات تطور بنيات التعاون والتنسيق والقيادة والتوجيه بين المستوى الترابي والمركزي، وبعد زمني عملن من خلاله على مقارنة التطور القانوني بالواقع العملي مميزين بين فترتين حاسمتين في تطور التنظيمين الإداري والترابي بالمغرب تفصل بينهما الوثيقة الدستورية لـ 2011.
وتأسيسا على ذلك يبرز السؤال المركزي التالي: إلى أي حد يمكن الرهان على نظام اللاتمركز الإداري في دعم ومواكبة الجماعات الترابية في ظل محدودية صلاحيات وأدوات تدخل المصالح اللاممركزة، وفي ضوء التأخر الحاصل في تنزيل وتفعيل مقتضيات ميثاق اللاتمركز الإداري؟
وعموما يمكن إجمال أهم خلاصات البحث في العناصر التالية:
1ـ تطور الإطار القانوني المنظم للاتمركز الإداري وللامركزية، وإقرار مسارات جديدة للتكامل والتناغم بينهما في سياق مساعي تحقيق رهان الجهوية المتقدمة كورش مهيكِل للتدبير العمومي.
2ـ تكريس الميثاق الوطني للاتمركز الإداري للإطار الترابي الجهوي في تنزيل سياسة اللاتمركز الإداري، بإرساء بنيات جديدة كاللجنة الجهوية للتنسيق والكتابة العامة للشؤون الجهوية، وآليات مستجدة تتجلى أساسا في التصاميم المديرية للاتمركز الإداري التي رامت تسريع عمليات نقل السلط والموارد من المركز للتمثيليات الإدارية اللاممركزة.
3ـ بروز ممارسات فضلى في إطار التعاون بين المجالس المنتخبة والإدارة الترابية والمصالح اللاممركزة وخاصة في مجالاتِ الاستثمار الجهوي والتأهيل الاجتماعي والتهيئة الحضرية.
لكن في المقابل لا زال التكامل بين مساري اللاتمركز واللامركزية حلما بعيد المنال في ظل العوائق التالية:
1ـ استئثار المركز بجل تفاصيل اتخاذ القرار الترابي، وما لذلك من انعكاس على مركزية تدبير الموارد البشرية والمادية، هذا فضلا عن مظاهر قصور هيكلة الإدارات المركزية وانعكاس ذلك على المستوى الترابي مخلفا تضخما في الهياكل الإدارية وتداخلا في الاختصاصات وتعقيدا في العملية الإدارية بصفة عامة.
2ـ التباس أدوار الولاة والعمال، فحتى مع صدور الميثاق لازال موقعهم غير واضحٍ في خطاطة الفعل الترابي. حيث إن أدوات التنسيق والمواكبة غالبا ما تتحول إلى قنوات للهيمنة على المجالس المنتخبة والمصالح اللاممركزة.
3ـ تؤدي بعض الممارسات التي تفرضها سلطات المراقبة أحيانا إلى الحد من قدرة المجالس الترابية على القيام بواجباتها، وهو ما ينعكس سلبا على تفعيل ما يناط بها من اختصاصات يفترض فيها التوافق مع الجوهر الحقيق لمبدأ التدبير الحر.
ومن أجل تحقيق الرهان المتمثل في جعل بنيات اللاتمركز الإداري سندا للمجالس المنتخبة في القيام بأدوارها الدستورية وفي تحقيق الرهانات التنموية المتوخاة منها كبنيات للقرب، توصل الباحث إلى جملة من المقترحات تهم سن إصلاحات جديدة على مختلف المستويات:
وقدم الدكتور الزبح اقترحات تهم مختلف المجالات سواء للارتقاء بالنظام الامركزي أو اللاممركز وكذا اقترحات تهم الجوانب المتداخلة بين كلا النظامين، هي كالتالي:
ـ تأهيل الجماعات الترابية عبر تحصين مجال تدخلاتها، وذلك بمراجعة طريقة توزيع الاختصاصات بينها وبين الدولة، عبر تجسيد فعلي لمبدأ التفريع.
ـ وضع ضمانات جديدة لتفعيل مبدأ التدبير الحر، حتى تتمتع الجماعات الترابية بحرية الحركة والتدخل في قطاعات محددة بدقة، وبالتالي إمكانية إسنادها ودعمها من طرف المصالح اللاممركزة.
ـ تكريس رقابة إدارية بعدية تساءل النتائج والمنجزات، تطبيقا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن تفعيل آليات المراقبة الحديثة كالافتحاص والتدقيق والتقييم.
ـ تدقيق شروط المساعدة من طرف الولاة والعمال لرؤساء المجالس الترابية المنصوص عليها في الفصل 145 من الدستور. حتى لا تتحول إلى نافذة لتكريس التدبير الموازي.
ـ تعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية وتنويعها ومشاركتها فيما بينها فضلا عن تنمية مواردها البشرية، كما نص على ذلك التقرير العام للنموذج التنموي الجديد.
وعلى المستوى الثاني الذي يهم تحديث نظام اللاتمركز الإداري اقترح ما يلي:
ـ إعادة هيكلة القطاعات الوزارية، مع إعطاء الأولوية لإحداث التمثيليات الإدارية المشتركة سواء على المستوى الإقليمي أو الجهوي في ضوء التجربة الفرنسية التي استقرت على تجميع المصالح اللاممركزة في سبعة (7) أقطاب أساسية.
ـ الإسراع في تنفيذ التصاميم المديرية للاتمركز الإداري كما صادقت عليها اللجنة الوزارية، مع مراجعتها وتحيينها، وحصر النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتنفيذ مضامين الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.
ـ تجويد التعاقد الترابي بتدقيق الإطار التعاقدي بين السلطات الحكومية وولاة الجهات ورؤساء التمثيليات الإدارية الجهوية في ضوء التعثر الذي يعرفه تنفيذ عقود البرامج بين الدولة والجهات.
ـ تقوية وتأهيل الموارد المالية للمصالح اللاممركزة باعتبار لاتمركز الاعتمادات كطريقة دائمة للتسيير، بدلا من اعتبارها عملية خاضعة للمبادرة الفردية للآمر بالصرف المركزي، مع تمكين المصالح اللاممركزة من الاستفادة من ميزانية مستقرة ومن الوسائل والموارد الموضوعة رهن إشارتها لإنجاز برامجها على الوجه الأحسن.
ـ تغيير وتتميم المقتضيات المتعلقة بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية مع تضمينه تدابير مبتكرة حول الحركية والتحفيز.
ـ ضمان التكوين المستمر وإعادة التكوين لفائدة الموارد البشرية بالمصالح اللاممركزة، وتأهيلهم ودعم قدراتهم وكفاءاتهم حتى يكونوا قادرين على القيام بمهام إسناد ودعم الجماعات الترابية.
أما على المستوى الثالث فذو طبيعة أفقية يلامس كلا النظامين في إطار العلاقات المتداخلة والمتبادلة بينهما، ويتعلق الأمر بإعادة هندسة الحكامة الترابية وفق مقومات جديدة تضمن التكامل بين مختلف مستويات التدبير الترابي. ولهذا اقترح ما يلي:
ـ تنزيل منظومة المعلومات الترابية وتقاسمُها مع جميع المتدخلين، واعتماد الرقمنة بشكل واسع، عبر إحداث نظام معلومات متكامل ومشترك يتقاسمه مجموع الفاعلين على المستوى الترابي.
ـ مواكبة الجماعات الترابية في استشراف سبل التنمية؛ بإحداث مرصد ترابي لتجميع المعطيات خاص بها، بالإضافة إلى تطوير قواعد البيانات المتعلقة بالجماعات الترابية وتحويلها إلى نطاق المعطيات المفتوحة.
ـ إحداث آلية جديدة لمواكبة الفعل العمومي الترابي كإحداث لجنة تحت رئاسة رئيس الحكومة تضم في عضويتها الولاة ورؤساء الجهات لضمان التكامل بين السياسات العمومية والتدخلات الترابية، ونفس الأمر على الصعيد الجهوي ببلورة صيغة مناسبة لإرساء إدارة خاصة مكلفة بالشؤون الجهوية كما أوصى بذلك التقرير العام للنموذج التنموي الجديد. ـ مع ضمان تمثيلية متوازنة للهيئات المنتخبة والمعينة ـ
وحتى تؤتي هاته الإصلاحات أكلها يتوجب تأطيرها ضمن منظور متجدد لإصلاح التدبير العمومي في ظل التحولات الجديدة التي فرضت مراجعة طبيعة دور الدولة والعلاقة بين مختلف المتدخلين، كالقانون بمثابة ميثاق للمرافق العمومية، وقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص الذي صدر مرسومهما التطبيقيين الخاصين بالجماعات الترابية في المجلس الحكومي في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وكذا قانون الإطار المتعلق بإصلاح المؤسسات العمومية .. بالإضافة لاستحقاقات التنزيل الترابي لأوراش الحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي الموحد.. وغيرها من الإصلاحات التي لا يمكن أن تتحقق إلا بدور أكثر فعالية للمستوى الترابي في بعده اللامركزي واللاممركز.