مقالات الرأي

خواطر سدراوي.. “تربية الله لعباده وعلاقته بانقطاع المطر”

الدكتور عزيز سدراوي

“إن المناكير والبدع إذا تفشت في قوم أحاط لهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم و بين ربهم، و انقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلاث، و شحت السماء، وحلت النقم، و غيض الماء و استولت الأعداء، و انتشر الداء، و جفت الضروع، و نقمت بركة الزروع.

لإن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، و يسد طرق الفوائد.”

(مقتطف من خطاب المولى سليمان 1797-1822).

الكثير من المثقفين لهم اعتراض طبيعي تقليدي من مسألة البعث و العقاب، فهم يقولون كيف يعذبنا الله و الله يحبنا، وينسى الواحد منهم أنه قد يحب إبنه كل الحب و مع ذلك يعاقبه بالضرب و الحرمان من الأشياء التي يحبها، و كلما إزداد حبه لإبنه كلما ازداد اهتمامه بتأديبه و تربيته. ولو أنه تهاون في تربيته اتهم من طرف المجتمع بالإهمال ويتم التشكيك في حب إبنه.

فما بالك بالرب الذي هو المربي الأعظم، و كلمة الرب مشتقة من التربية، كما أن عبارة الله محبة هي عبارة فضفاضة تعرضت للتمييع، يسيء الكثير فهمها، ويستعملونها في إطارها المطلق الذي يستهويهم و يجاور رغباتهم.

منطق غير مقبول، فهل يحب الله الظلم، هل الله يساوي في أحكامه بين الظالم و المظلوم.

تصور غذا صح فهو ينم عن فوضى عارمة، و عن إنعدام النظام في كون كل مكوناته تدل على عكس ذلك.

الله يملك جبروتا على كل الجبارين، و هو أكبر من كل المتكبرين، وقويا على كل الأقوياء، وهو العدل الحكم الذي يضع كل واحد في موضعه الذي يليق به.

فما نري من حولنا من انضباط في قوانين المادة و الفضاء و السماوات يكون استنتاجنا للعدل الإلهي استنتاجا سليما يعطي الصفة لموصوفها و كل البينات تحت أيدينا تقوم لتأكد صفة العدل الإلهي و النظام و الحكمة و التدبير.

أما الذين ينكرون النظام و العدل هم من يجب أن يقدموا الدليل و البرهان. أما الذين ينكرون العذاب على إطلاقه و ينكرون أن الإنسان موهوب تعد عليه قوة أعلى منه و قوانين أقوى منهم فندعوهم إلى إعادة النظر في عالمهم الأرضي، نظرة الى الدنيا دون حاجة إلى افتراض آخرة.

العذاب حقيقة ملموسة، فالمريض في عنبر المحروقين أو جناح الكسور ليس هو الإنسان على شاطئ البحر بجوار من يحب و يرتشف فنجان شاي أو قهوة.

الإنسان تحت رحمة قوة أكبر منه وأعلى منه، فالمؤمن يسميها الله و الملحد يسميها قوانين الطبيعة أو قوانين الفزياء أو ما شابه. و هذا التهرب ما هو إلا صفصفة لفظية و إزدراء لغوي.

لكن الأهم هذه القوة، “القوانين” تعذب أن العبث هو أن يكون هذا العالم عبثا في عبث، هو أن ينجو كل ظالم بفعلته، ولا شيء في هذا العالم الجميل يدل على العبث، و كل شيء من أكبر النجوم إلى الذرات ينطق بالنظام و الضبط و الإحكام، و لا يكون الله محبة و لا عادل حتى يضع الظالم في هاوية أعماله.

إن العاقل الفطن المتأمل لن يحتاج إلى فلسفة ليكتشف ذلك بل سيراه نذرا في داخل نفسه وأعماق سريرته.

فإذا غابت علينا الحقيقة لمدة محدودة فهي لتغافلنا عن رؤيتها و محدودية بصيرتنا.

انقطاع المطر، جفاف الأنهار و الوديان… في إطار التربية.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق