مقالات الرأي

حل ملف التعاقد، بين الحقيقة والتضليل وثقافة التطبيل!

لا زال ملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد مثار جدل بين الأساتذة والوزارة الوصية على القطاع، ملف يعد من الملفات المطلبية الحارقة الموضوعة على طاولة الوزارة  منذ أربع سنوات، حيث شهد القطاع تأسيس أكبر وأقوى حركة احتجاجية تعرفها المنظومة التربوية، عقب ابتداع الحكومة نمطا جديدا من التوظيف، إنه التوظيف بالتعاقد، والذي يعتبر آلية من آليات الإجهاز على الوظيفة العمومية، ومظهرا من مظاهر خضوع الدولة وخنوعها  لشروط وإملاءات صناديق الاستعمار المانحة، هذه الأخير،  دقت تقاريرها ناقوس الخطر الذي يهدد سقف الائتمان المالي بالنسبة للدولة  كمدين لأبناك السلب والنهب والتحكم العالمي، بناء على ارتفاع كتلة الأجور بالوظيفة العمومية حسبب زعمهم. ومن جهة أخرى، حل هذا الضرب من التوظيف الدوري كحل ترقيعي لسد الخصاص المهول الذي تعرفه المنظومة، خصوصا مع تزايد أعداد الأساتذة المحالين على التقاعد، واستفحال ظاهرة الاكتضاض من داخل الأقسام، والتي وصلت في بعض المدارس إلى 60 تلميذا بالقسم أو ما يزيد عن ذلك.

في هذا السياق،  تفتقت قريحة الدولة وخيالها المبدع لابتكار نمط جديد من التوظيف، يضرب في العمق كل المكتسبات التي راكمتها الأسرة التعليمية بخاصة، وعموم الموظفين بشكل عام ، على اعتبار أن هذا المخطط المشؤوم، سيطال باقي القطاعات العمومية في القريب العاجل، وتأخر تعميمه يعود للصمود البطولي الذي أبداه الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد.

ومعلوم أن التوظيف بالتعاقد  تمخضه قرار مشترك بين وزيري المالية والتعليم سنة 2016 في زمن غير دستوري، هو زمن الاستحقاقات التشريعية وما أعقبها من بلوكاج حكومي، مما يعني الاكتفاء بتصريف الأعمال، لا إصدار قرارات ترقى لمستوى المراسيم والقوانين كالقرار المشترك رقم 7259  الصادر بتاريخ 7 اكنوبر 2016، والذي وقعه وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، ووزير المالية، وهو القرار الذي أفرز ما سمي بالتوظيف بالتعاقد، وهو توظيف سيعرف تغيرا جذريا على مستوى التسمية فقط ، بينما الجوهر ظل كما أراد له أن يكون صناع التعاقد، خريجو المدارس الفرنسية الذين ينقلون عن ملهمتهم النجيبة كل ما تلفظه دون تمحيص أو تكييف.

بيد أن عورات التوظيف بالتعاقد بدأت تتكشف للعموم، مباشرة بعد توقيع تعسفات، وتدبيج تقارير كيدية في حق الأساتذة، كمظهر من مظاهر  الهشاشة المتعددة  الأوجه التي طالت هذه الفئة، كان من بينها فصل أستاذين بجرة قلم، لتشتعل الاحتجاجات مباشرة بعد تأسيس التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في مارس 2018، دفاعا عن الحق الدستوري في وظيفة عمومية قارة تضمن الاستقرار النفسي والاجتماعي والمالي لكل العاملين بقطاع التربية والتكوين.

هذه الاحتجاجات متعدة الأشكال؛ حمل الشارات، اضرابات متقطعة، إضرابات ممتدة في الزمن، معتصمات، إنزالات وطنية وجهوية وإقليمية، أرغمت الوزارة وشركائها على الإعترتف بشرعية التنسيقية الوطنية للاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، كممثل وحيد وأوحد لهذه الفئة، ليبدأ مسلسل جلسات  الحوار المتقطعة، المؤجل منها والعاجل، إلى جانب استمرار النضال الميداني.

غير أن  هذه الحوارات، لم تأت بجديد يذكر، عدا تغيير في التسميات؛ متعاقدين، أطر الاكاديميات، الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية، وربما سترسو التسمية على؛ الموظفين العموميين الجهويبن، بعد إدخال تعديلات أخرى على ظهير 1958، ثم إطلاق العنان لأبواق التضليل، والترويج  لحلول  مبتكرة، لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به أو الذي يعتزم كتابتها به، وطي  الملف كما يزعمون، في إطار محاولات  بائسة -اعتدنا التعاطي معها- كآلية لتغليط الرأي العام، وتزييف الوعي الجمعي، وذلك لتلميع صورة حكومة لم تزد الشأن العام إلا توترا واحتقانا. 

بيد أن المثير للاستغراب هو انخراط بعض الإطارات النقابية عن وعي أو من دونه في حملة التزييف التي تنهجها الحكومة، وناطقها الرسمي، ومسؤولو وزارة بنموسى، حيث تلقفنا الأخبار من وسائل الإعلام، وعلى لسان و تدوينات بعض المسؤوليين النقابيين الموقعين على اتفاف السلم المزيف بين حكومة أخنوش، والذي تضمن مغالطة كبيرة تتمثل في كون ملف التعاقد قد تم حله عقب جلسة الحوار الأخيرة التي حضرتها لجنة حوار تمثل فئة المفروض عليهم التعاقد، وهو ما يتنافى وأخلاقيات النضال، وواجب التحفظ، واحترام قرار الجهة المعنية أساسا بهذا الملف، والتي أصدرت بلاغا تنفي فيه ما ورد من أخبار زائفة حول انتهاء الأزمة وحل الملف.

ذلك أن مقترح النظام الأساسي الموحد، والذي طرحته الوزارة كحل مبتكر لا يعدو كونه تنزيلا حرفيا لبنود قانون الإطار 51.17 والذي ينص بالحرف على إصدار نظام أساسي موحد، هو النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين، وقد حددت له مدة ثلاث سنوات لأجرأته، هذه المدة تنقضي متم يوليوز من السنة الجارية 2022، وهو نفس النظام الأساسي الذي جاء به القانون 00.07 المحدث للأكاديميات الجهوية.

وعليه، فإننا نؤكد للراي العام، أن النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية هو مطلب من بين مطالب أخرى يتقدمها مطلب الرقم المالي المركزي الذي يفضي إلى إدماج كافة الأفواج في سلك الوظيفة العمومية، وهو الكفيل بتحقيق باقي المطالب، إلى جانب إسقاط هذا النمط الهجين من التوظيف،( التوظيف بالتعاقد). ولا إشكال لدينا مع التدبير الإداري الجهوي للموارد البشرية، إذا كان ضامنا لنفس الحقوق التي يتمع بها باقي الموظفين العموميين.

وفي انتظار توضيح مفصل يصدر عن الهياكل الوظيفية للتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بخصوص جلسة الحوار الأخيرة فإن المعركة مستمرة مادام التعاقد قائما.

عثمان الطويل

عن مديرية طنجة أصيلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق