مقالات الرأي

“حديث القطط والكلاب” في طنجة 

 

بقلم د.الشريف الرطيطبي

 

عرفت مدينةطنجة بكونها عاصمة المغرب الديبلوماسية والمدينة الدولية بفعل اقتسام النفوذ زمن احتلالها من طرف عدة دول أوربية فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية. وقد احتضنت مفوضيات أهم تلك الدول وفي مقدمتها انجلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وأمريكا . ولا تزال توجد شواهد معمارية عن الوجود الاستعماري سواء تعلق الأمر بمفوضية فرنسا التي أصبحت اليوم مقرا لقنصليتها بعاصمة البوغاز، و مفوضية إسبانيا/ قنصليتها الحالية وملحقاتها الثقافية، و”بلاصا طورو( حلبة مصارعة الثيران) ومسرح “ثيربانطيس” ،ومجموعة الكنائس(” كنيسة إيبريا” غير البعيدة عن مسجد محمد الخامس، والكنيسة الانجليكانية القريبة من حدائق المندوبية بجوار السوق البراني وساحة 9 أبريل، و”كنيسة بوخشخاش” سابقا المحادية لبناية ولاية الأمن؛ وكنائس وبيع صغيرة بأحياء إيبيريا ومرشان و كاليفورنيا. وتوجد ايضا مقابر لليهود والنصارى، المسورة منها والمفتوحة.

وكانت طنجة ميدانا للتنافس لتوسيع النفوذ الاستعماري بالإيالة الشريفة وقد اقتسموا النفوذ فيها، فشكل هؤلا المعمرون مجلسا لتسيير المدينة (الخونطا ) ومجلسا صحيا للحفاظ على نظافتها وحماية الصحة بها بخلق شبكة الصرف الصحي بأحيائهم التي توزعت بين الفيلات العصرية و”الفازندات” مثل قنصلية كل من فرنسا وإسبانيا و”فيلا هاريس” وبين الاحياء السكنية المتمثلة في العمارات مثل “الحي الإيطالي” و”الحي الالماني” وغيرها التي حملت شوارعها أسماء دولها كهولندا وبلجيكا .كما اعتنوا بالفضاءات الخضراء والملاعب ، وأهمها”الغابة الديبلوماسية” و”نادي الكولف” و”نادي الفروسية”.وبالتالي كانت طنجة جنة بالنسبة لهؤلاء المعمرين من علية القوم الذين خصصوا مقبرة لكلابهم النافقة( مقبرة الكلاب بحي كاليفورنيا على طريق الجبل)، كما عملوا على نشر عاداتهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم المسيحية واليهودية. وكل ذلك دفع الطنجيين، أهل البلد، إلى وسم مدينتهم ب ” مدينة الكلاب” (ville des chiens بلغة موليير) بالنظر إلى الموبقات والعادات غير الإسلامية التي انتشرت بها من شرب خمر وما يليه..

 

وبين زمن طنجة” مدينة الكلاب”في الزمن الماضي وزمن “طنجة الكبرى”، اليوم أصبحت للقطط والكلاب أحاديث لعل أبرزها، والعهدة على الراوي، هو أن كلبا توجه بسؤال لقط سمين، وكانا يقيمان معا في فيلا فاخرة:

-ماذا تفعلون أنتم معشر القطط حتى تتلقون كل هذه العناية والاهتمام؟

فكان رد القط سريعا:

-وأنتم معشر الكلاب ماذا تفعلون حتى تزاحموننا في سكنى الفلل؟

أجاب الكلب، وفي اعتقاده أن الفرصة مواتية لإسكات خصمه:

-الكلاب تحرس المنازل والفلل في المدن، وترافق الرعاة لحماية القطيع في القرى والمراعي، وتبقى دوما وفية لأصحابها حين تفضل الموت بعيدة عنهم عندما تصاب بالسعار! فأين أنتم معشر القطط من كل هذا؟

اعتقد الكلب أن القط لن يجد ردا على حقائق دامغة تبرر حظوة القطط ! لكن القط تبسم قائلا:

– القطط لا تزعج بعوائها ليلا ! ولا تخيف الصغير والكبير بخطر عضاتها! بل إنها تشيع الحنان بحركاتها وأناقتها، وقبولها بأقل كمية من الطعام ولو كان خشاش الأرض، وهي بذلك لا تعارك العظام الجافة مستعملة لعابها “مهرننة” خوفا من أن يزاحمها الغير في محنتها!

رد الكلب وقد استشاظ غضبا وكشر عن أنيابه :

– أنتم معشر القطط لا أمان لكم: تفترسون الدجاج وتسرقون السمك، وتنهبون المطبخ عندما تشتعل النيران في المنازل، ولا تشاركون أهل الدار فرحة “العيد الكبير”، مدعين أنكم تذهبون للحج؟! وفوق كل هذا وذاك أصبحت الفئران تصول وتجول دون أدنى حركة منكم ، وقد نسيتم العداوة بينكم التي كانت يضرب بها المثل ؟! ولا ذوق لكم حيث أنكم لا تحبون أكل العسل الذي استبدلتموه بالقرع!

جلس الكلب على مؤخرته ولسانه يتدلى بين شفتيه ينتظر صمت غريمه وانهزامه. لكن القط كان له بالمرصاد قائلا:

-اعترف لنا بأننا أنظف منكم، فاسألوا أبا هريرة عنا! ونشع الحنان والألفة ؛ فاسألوا الأطباء والمرضى النفسانيين عن تفاصيل ذلك!

وقبل أن يكمل بسط حججه فاجأه الكلب قائلا:

-نحن من نرمز إلى الوفاء في السراء والضراء. اسألوا أهل الكهف عنا ، واسألوا اليابانيين الذين يحتفلون بعيد الكلب:عيد الوفاء! واسألوا الرعاة الذين نرافقهم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، واسألوا صيادي الخنازير والحجل والأرانب! وغالبا ما تشيد لنا البيوت لاتقاء حر الصيف وبرد الشتاء .فأين أنتم من كل هذا وقد كنتم تبيتون مفترشين رماد الكوانين لعلكم تجدون دفء ما، قبل أن تتمكنوا تملقا وغيرة من التسلل إلى داخل البيوت وغرف النوم بها. وقد كنتم تقتلون شر قتلة مرات ومرات إلى درجة أنكم كنتم تنعتون بكونكم لديكم سبعة أرواح؟

اعتقد الكلب أنه أعطى الضربة القاضية لغريمه، لكن سرعة البديهة لدى القط ومعرفته بما يقال عن الكلاب جعله يخرج عينيه محدقا في وجه الكلب قائلا:

– ومع ذلك نحافظ على كرامتنا، لأننا لسنا مخبرين عن الحشيش المخبىء في الشاحنات والحافلات!

وفي هذه اللحظة ولج الزوجان اللذان يقطنان الفيلا ، فبدأ المتخاصمان يتمسحان بهما بحثا عن لمسة فوق الظهر أو قطعة سكر ..

 

وبالنظر إلى كون القطط والكلاب لها ما يميزها عن باقي الحيوانات الأليفة، فإنها تعيش اليوم في “طنجة الكبرى” في وضعية أفضل من نظيراتها في مدن أخرى. فالقطط لا تطارد من طرف الكبار والصغار في الأزقة والشوارع، بل وجدت من يوفر لها المأكل والمشرب في عدة مناطق من المدينة الشعبية والعصرية، وهي تتلقى العناية من عدد من محبيها. وتوجد جمعية تعنى بتلقيح الكلاب التي أصبحت تتقاسم بعض الأرصفة وبعض الحدائق مع بني البشر ما دامت معقمة ومرقمة.

ومن المؤكد، والعهدة على الراوي مرة أخرى، أن هناك أحاديث مماثلة تدور بين قطط وكلاب محظوظة وأخرى تبحث عن حظها في المدينة ! وهي تتفق على أن وظيفة “قتالي الكلاب” أصبحت في خبر كان، فيما لا يزال تخوف القطط من خطر السواح الصينيين وقد اقتنصوا جميع قطط الميناء يوم توقفت سفينتهم السياحية بمرفئه، فشكل خطرا محدقا بالنسبة لعشيرة القطط الأليفة التي لم تكن تعرف أن لحومها غير محرمة لدى الجنس الاصفر!

فمن منكم يعلم بأحاديث مماثلة في مدينته على لسان الراوي ؟

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق