مقالات الرأي

سدراوي يكتب.. أزمة ثقة

الدكتور عزيز سدراوي

يحب أن نعرف بأن معظم النزاعات الدائرة في محيطنا، نتاجٌ لأمراض في البنية الاجتماعية والسياسية، ففتحت الباب لأيادي خارجية للتأثير في الشأن الداخلي.

يهمني الإشارة أولاً إلى أن المجتمعات و الشَّراكات، ليست كائنات مادية بحتة، بل هي في المقام الأول كائناتٌ اعتبارية، بمعنى أن ما يعطيها صفة الشركة أو كمثال واقعي “مصحة”، ليس الأرض أو المباني، بل إقرار البشر الذين يسكنونها بأنها تحمل هذا الاسم وتنتمي لهذه الجماعة، وأن سكانها يعيشون معاً في إطار اتفاق (ضمني أو مكتوب) تضمن استمرارَه ثقةٌ متبادلة، محورُها أن جميع الأطراف يسعوْن لخيرهم المشترك، ويلتزمون بالمسؤوليات التي يولدها ذلك الاتفاق.

الإيمان بالجماعة والثقة بالنظام الذي يربط الجميع، هو أرضية ما سميناه الإجماع، الذي يتناول موضوعين رئيسيين:

أ) القانون – أو العرف – الذي يحدد ويضبط العلاقة بين كل طرف والآخر.

ب) الطريقة المتفق عليها لحل الخلافات المحتملة بين الشركاء، والتي يلتزم الجميع بالقبول المسبق لنتائجها.

لا يمكن أن يتعايش أناس مختلفون من دون توافق على المصالح المشتركة والحقوق المتقابلة، التي أوجبت اجتماعهم، واتفاقٍ موازٍ على طريقة لعلاج خلافاتهم، لتلافي الانشقاق والتنازع. هذا ببساطة هو جوهر «الإجماع التشاركي».

تتسبب الأزمات الكبرى في نشوء ارتياب متبادل، بين الكتل التي يتألف منها المجتمع في مثالنا ازمة كوفيد. وعندئذ تتلاشى القوة “الجمعية” التي تسند البناء السياسي والأمني والقانوني، أعني بها القوة التي تتجسد في الثقة المتبادلة التي ذكرناها، وفي توافق كافة الشركاء،على أن يعيشوا معاً في ظل نظام قانوني واحد، اسمه الشركة ، وأنهم جميعاً يتحملون المسؤولية عن صيانته.

انعدام الثقة يعني – حسب تعبير البروفسور ديفيد ميلر – أن كل طرف يشعر في داخله بأنه لو تخلى عن مصادر قوته الخاصة أو تنازل للطرف الثاني، فمن يضمن له أن يحصل على حقوقه المتفق عليها في القانون؟

لا يوجد حل طويل الأمد للمشكلات، ولا سد يحمي الشركة من تأثير القوى الخارجية سوى بناء الثقة وتجديد الثقة باستمرار، وهي مهمة سهلة بشرطين؛ أولهما ألا ينظر للسلطة كغنيمة، بل كوظيفة مؤقتة، وثانيهما أن يكون كل طرف مستعداً لتقديم تنازلات، تتناسب حجماً وموضوعاً مع الغاية المستهدفة، حتى لو كانت مؤلمة.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق