سلايدر الرئيسيةطنجة أصيلةكوكتيل
بعد هدم منازل بطنجة.. من المسؤول عن تفشي البناء العشوائي؟ (تحليل)
أصبح موضوع البناء العشوائي حديث الساعة بعد أحداث هدم المنازل التي شهدتها عدة مناطق بطنجة، فبين مؤيد لحجية فرض النظام وعدم التساهل في تجاوزه، ومعارض لقساوة الجزاء ومناد بحلول موازية، يجد النقاش القانوني أهميته وراهنيته لفهم جذور المشكل وبالتالي إدراك مخرجاته ومحاولة معالجتها.
إن قطاع التعمير ببلادنا يصعب الحديث فيه أو مناقشته، لتشعبه وكثرة المتدخلين فيه، ولكن ما يفترض أن يعلمه الجميع، أنه من أجل البناء يجب الحصول على رخصة بذلك يسلمها رئيس المجلس الجماعي، هذه الرخصة تمر وجوبا من مصالح تقنية تقوم بدراسة الرخصة من مناحي متعددة، تبين نوعية العقار المراد فيه البناء ورأي عدة مصالح، وتوجه خلاصة هذه الآراء بملف طلب الرخصة لرئيس المجلس الجماعي ليقرر فيها بالموافقة أو الرفض، كما توجه نسخة من هذه الرخصة للسلطة المحلية حتى تكون على علم بأي بناء.
وبديهي أنه إذا تضمن الرأي الملزم للوكالة الحضرية أو المصالح التقنية أن طلب الرخصة بالبناء لا يستجيب لشرط من شروط البناء المنظمة بمقتضى القانون فإن الرئيس يكون ملزما برفض الطلب، فكيف الأمر إذا كان البناء فوق عقار يملكه شخص معنوي عام، أي أنه في ملكية تابعة لمصالح الدولة كمصالح المياه والغابات أو الأملاك الجماعية أو الملك البحري…
يتبين إذن أنه من الناحية النظرية لا يمكن أن يسلم رئيس المجلس الجماعي رخصة البناء فوق أي عقار لا يملكه الطالب وبشكل أشد فوق عقار في ملكية الدولة، لأنه يكون أولا تحت مراقبة السلطة المحلية وثانيا تحت طائلة المحاسبة القضائية، فكيف إذن يتم الترامي بالبناء على هذه الأملاك، وعلى من تقع مسؤولية ذلك؟
بالرجوع إلى القانون، يكلف بمعاينة مخالفات البناء بدون رخصة سابقة، والبناء فوق ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية، (يكلف) ضباط الشرطة القضائية ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو للعامل أو للإدارة، المخولة لهم صفة ضباط الشرطة القضائية، ويقومون بتحرير محاضر بشأنها.
ويمكن لهؤلاء المراقبين أن يزاولوا المراقبة سواء من تلقاء نفسهم أو بطلب من السلطة الإدارية المحلية أو من رئيس المجلس الجماعي أو من مدير الوكالة الحضرية، بناء على إبلاغ بالمخالفة من طرف الأعوان التابعين لهم المكلفين بهذه المهمة أو بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية، ومن هنا يتبين أن القانون فتح المجال واسعا للتنبيه لوجود مخالفات في البناء، وجعل الكل معني بها من الأفراد العاديين، الجماعة، الوكالة الحضرية والسلطة المحلية.
فكيف إذن تم البناء في أراضي مملوكة لأشخاص عامة في غفلة كل هؤلاء الهيئات؟ ومن يتحمل مسؤولية غض الطرف عن ذلك؟ قانونيا يعتبر الجميع متواطئ في ذلك ولا يمكن بالتالي إسناد المسؤولية لأي طرف.
ويظل المتضرر الوحيد في ظل هذا الوضع، هو صاحب البناء الذي لم يحترم المساطر القانونية، لأن اتباع الطريق القانوني السليم يجنبك ويحميك من هذه المشاكل، ويبقى التعامي والتغافل الذي يدفع البعض إلى إتيان هذه الأفعال هو جوهر المشكل، بحجة أنه ليس الوحيد الذي يبني فوق هذا العقار وبخلفية أنه سيستحيل هدم البناء بعد استوطانه من قبل أسرته.
يبقى أن نشير أنه في نظر بعض المحللين، أنه إذا كان من دوافع بعض الأشخاص في البناء العشوائي حاجتهم إلى السكن والاحتواء باعتباره حق إنساني جوهري، إلى جانب ضعف وسائلهم وجهلهم بالعواقب، فإن ذلك يكمن أن يشفع لهم، خصوصا أمام إمكانية وجود حلول موازية بعيدة عن الهدم وآثاره المادية والنفسية والاجتماعية الوخيمة.
في حين يبقى الاتفاق منعقد بين المحللين على تحميل رئيس مجلس الجماعة والسلطة المحلية مسؤولية هذه الحوادث، لأن الأمر لا يمكن أن يخلو من تواطؤ بين الطرفين لصالح حسابات مستنكرة للمصلحة العامة، وباعتبار هذا القطاع من أبرز وجوه الفساد، فإن الدعوة مفتوحة لإصدار تشريع يبين ويحدد الاختصاصات والصلاحيات، حتى يمكن تحميل المسؤوليات وبالتالي ضبط الظاهرة، لأنه في ظل الوضع الحالي يعتبر الجميع مساهما في الخطأ، ولا يتحمل التوابع إلا المواطن الضعيف.
أمل عكاشة