مقالات الرأي

الإشادة بالجريمة الإرهابية في القانون المغربي

نقاش على هامش بلاغ الداخلية والعدل

يقصد بالإشادة بالجريمة الإرهابية كل أفعال تبرير فعل إرهابي معاقب عليه في القانون الجنائي. و قد أثيرت مؤخرا ضجة حول التكييف القانوني لجريمة الإشادة بالفعل الإرهابي وتكييفها باعتبارها جنحة تأديبية موجبة للحبس ومن تم صلاحية الوضع رهن الحراسة النظرية؛ رغم أنها في نظري مجرد جنحة ضبطية معاقب عليها بالغرامة فقط، مع ما يترتب على التكييف القانوني للمتابعة التي يمكن أن تسطرها النيابة العامة في مواجهة مرتكب فعل الإشادة من أثار على حريته؟

مناسبة هذه الضجة هي صدور بلاغ مشترك عن وزارتي الداخلية والعدل بتاريخ 22 دجنبر 2016 على خلفية جريمة اغتيال السفير الروسي في تركيا إثر إقدام بعض المدونين المغاربة على التعليق في مواقع التواصل الاجتماعي  على تلك الجريمة ببعض العبارات التي يمكن أن يفهم منها تسويغ هذا الفعل أو الإشادة به.

البلاغ المتحدث عنه اعتبر بداية أن جريمة الاغتيال جريمة إرهابية، وأضاف أن الإشادة بالأفعال الإرهابية تعد جريمة يعاقب عليها القانون طبقا للفصل 218 فقرة 2 بند 1 من القانون الجنائي. ذلك البند الذي جاء فيه أنه : ” يعاقب بالحبس من سنتين الى ست سنوات و بغرامة تتراوح ما بين 10000 و 200000 درهم كل من أشاد بأفعال تكون جريمة ارهابية بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن او الاجتماعات العمومية او بواسطة المكتوبات و المطبوعات المبيعة او الموزعة او المعروضة للبيع او المعروضة في الأماكن او الاجتماعات العمومية او بواسطة الملصقات المعروضة على العموم بواسطة مختلف وسائل الاعلام السمعية والبصرية”. كما ورد في البند الثاني من نفس الفقرة الثانية من المادة 218 على انه : ” يعاقب بنفس العقوبة كل من قام بالدعاية او الإشادة او الترويج لفائدة شخص او كيان او تنظيم او عصابة إرهابية بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة”.

هذا البند هو الذي ارادت جهة المتابعة تطبيقه على الأشخاص موضوع الاستدعاء من قبل المكتب المركزي للأبحاث القضائية، علما أنه أضيف الى القانون الجنائي منذ سنتين بموجب المادة الثانية من القانون 14-86 القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 53-15-1 بتاريخ فاتح شعبان 1436 (20 ماي 2015) الجريدة الرسمية عدد: 6365 بتاريخ: 13 شعبان 1436 ( فاتح يونيو 2015) الصفحة 5490.
بطبيعة الحال لا يمكن الاختلاف حول كون جريمة اغتيال السفير الروسي لدى تركيا هو فعل إجرامي خطير، يكيف على أنه فعل إرهابي يدخل ضمن نطاق مقتضيات الفصل 218 فقرة أولى من القانون الجنائي المغربي أي ضمن مشروع فردي او جماعي يهدف إلى المس الخطير بالأمن العام بواسطة التخويف أو الترهيب او العنف عبر الاعتداء العمدي على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو على حرياتهم أو اختطافهم او احتجازهم التي تعد جميعها  باعتبارها أفعالا إرهابية كما نص عليها الفصل المذكور.

لكن الاشكال المطروح هو أن القانون: 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، صدر بمقتضى الظهير الشريف رقم: 122-16-1 الصادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 أغسطس 2016) الجريدة الرسمية عدد: 6491 بتاريخ: 11 ذو القعدة 1437 (15 أغسطس 2016)،قد جرم أيضا بتاريخ لاحق فعل الإشادة بالجرائم الإرهابية وجعل عقوبتها في الفصل 72 منه هي الغرامة من 100000 درهم إلى500000 درهم، ولم يجعل لها أية عقوبة حبسية.
مما يطرح السؤال حول أي القانونين واجب التطبيق في حالة الإشادة بالجريمة الإرهابية خصوصا بعد بلاغ وزارتي الداخلية والعدل وأيضا بعد استدعاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية لبعض الأشخاص على خلفية بعض التدوينات كما ورد في بعض وسائل الاعلام، ووضعهم تحت تدابير الحراسة النظرية، مما يفيد ان النيابة العامة المشرفة قد كيفت الافعال وفق القانون الجنائي وليس وفق قانون الصحافة والنشر.

إنه من المسلم منطقا وقانونا أن القانون الثاني المتعلق بالصحافة والنشر صدر بالجريدة الرسمية بعد مقتضيات القانون الجنائي بحوالي أزيد من سنة، مما يجعلنا نتساءل هل كان على وزارتي الداخلية والعدل الإحالة على مقتضيات القانون الجنائي أم على مقتضيات قانون الصحافة والنشر؟ وهل كان على النيابة العامة والمكتب المركزي للأبحاث القضائية تكييف فعل الإشادة بمقتل السفير الروسي باعتباره فعلا إرهابيا، كجريمة تدخل في نطاق مقتضيات القانون الجنائي ام تدخل في نطاق مقتضيات قانون الصحافة والنشر؟ الأكيد انه سيكون هناك فرق كبير في حالة أي من الاختيارين.
دفعتني ثلاثة قواعد قانونية مهمة وشهيرة إلى القول أن المقتضيات واجبة التطبيق هي مقتضيات قانون الصحافة والنشر وليس مقتضيات القانون الجنائي:

القاعدة الأولى: هي انه في حالة تعارض القوانين في الميدان الجنائي فانه يطبق القانون الأصلح للمتهم، والأكيدأنها لن تخطئ عين أي ملاحظ إلى أن القانون الأصلح للمتهم في حالتنا هاته هو قانون الصحافة والنشر باعتبار أن العقوبة التي يقررها هي الغرامة من 100000 درهم إلى 500000 درهم دون العقوبة الحبسية، في حين أن القانون الجنائي ينص على العقوبة الحبسية.

القاعدة الثانية: هي أنه عند صدور مقتضيات قانونية تتعارض مع مقتضيات قانونية أخرى سابقة لها من حيث الزمن، فان المقتضيات اللاحقة تعتبر ناسخة للمقتضيات السابقة، مما يجعل مقتضيات قانون الصحافة والنشر بخصوص الإشادة بالجريمة الإرهابية هي الواجبة التطبيق على النازلة لنسخها لمقتضيات القانون الجنائي.

القاعدة الثالثة: أن النص الخاص يطبق بالأولوية على النص العام، ما دام أن تعريف الواقعة المتحدث يدخل ضمن تعريف قانون الصحافة، فالنص الخاص جاء أساسا ليطبق أولا دون غيره مستبعدا النص العام، وان القواعد العامة( النص العام) تطبق إذا كانت الواقعة لا تدخل ضمن النص الخاص الذي جاء ليخصص النص العام.
تجعل هاته القواعد القانونية الثلاث القانون الواجب التطبيق على مقترف فعل الإشادة بجريمة ارهابية هي مقتضيات الفصل 72 من قانون الصحافة والنشر والعقوبة الواجبة الحكم بها هي الغرامة من 100000 درهم إلى 500000 درهم.

اعتبار آخر لا يقل أهمية عن الاعتبارات السابقة مرتبط بالسياسة الجنائية التي يمكن اتباعها بخصوص تكييف فعل الإشادة بالجريمة الإرهابية، ذلك إنه لا يعقل منطقا ان يتابع صحافي أشاد بفعل إرهابي بمقتضى قانون الصحافة والنشر، بما للصحافي من تأثير كبير على الجمهور وصيت بين القراء وعموم الناس، فيما يتابع شخص كتب تدوينة على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي بالقانون الجنائي الأشد وهو شخص ضعيف التأثير أو على الأقل لا يمكن مقارنته بتأثير الصحافي المتمرس في الكتابة.

وجدير بنا أن نذكر هنا بواقعة الطفل جهاد في فرنسا، الذي ارتدى قميصا يحمل عبارة ” جهاد ولد في 11 سبتمبر” ” أنا قنبلة”؛ حيث اعتبرت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية في قراراها بتاريخ 17 مارس 2015 ان خال هذا الطفل، الذي أهداه القميص، تجاوز حرية التعبير المنصوص عليها في الفصل 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان ويدخل فعله ضمن أفعال الإشادة بالاعتداء على حياة الأشخاص وسلامتهم البشرية وفق الفصل 24 من قانون 29 يوليوز 1881 حول حرية الصحافة والذي ينص على عقوبة حبسية، على خلاف قانون الصحافة والنشر المغربي في صيغته الجديدة التي أسقطت منها العقوبة الحبسية.
خلاصة القول أن بلاغ الداخلية والعدل جانب الصواب في إحالته على مقتضيات الفصل 218-2-1 من القانون الجنائي، كما أن السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستيناف بالرباط زاغ عن التكييف القانوني السليم بأمره المكتب المركزي للأبحاث القضائية إيداع أشخاص تحت تدابير الحراسة النظرية بتهمة الإشادة بأفعال تكون جريمة إرهابية، إن لم يكونوا متابعين بتهم أخرى نظرا لسرية البحث.
أخيرا أقول إن وضع أولئك الأشخاص رهن الحراسة النظرية أو اعتقالهم بسبب تدويناتهم يعد في نظري اعتقالا تحكميا خارجا عن القانون ويتعين إطلاق سراحهم، إلاإذا كانت هناك أفعال أخرى منسوبة إليهم، مادام أن الإشادة بالأفعال الإرهابية التي نمقتها جميعا يعاقب عليها القانون بالغرامة فقط.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق