مقالات الرأي

“الإستحقاقات الإنتخابية بمدينة طنجة: بين كسب رهان الديمقراطية النزيهة ووعي الساكنة”

بقلم منير اللحياني

منذ بداية عمل مكاتب التصويت في مدينة طنجة على الساعة الثامنة صباحاً إلى حدود السابعة مساءا، توافدت أعداد كبيرة -نسبيا- إلى المكاتب، وكل وافد مارس حقه القانوني و واجبه حسب الدستور. ولكن هنالك نقطتان يجب تفصيلهما من جميع الزوايا.. وكل نقطة حسب خصوصيتها، وأسباب بروزها مع ذكر أهم النتائج التي أثرت سلبا على تجلي الديمقراطية والنزاهة في العملية الإنتخابية. هذان النقطتان بعد رؤية شاملة للمسلسل الإنتخابي، ارتأيت أن أطرحهما على الشكل التالي.

النقطة الأولى مرتبطة بآليات سلامة العملية الإنتخابية من أي تدليس أو تزوير، وهنا لا بد من ذكر دور وزارة الداخلية في تحقيقها للعدالة الإنتخابية، وآدائها للمهمة التي كلفها بها جلالة الملك. بمدينة طنجة لاحظ الجميع الخروقات القانونية الجسيمة، التي ألحقت الضرر بالعملية الإنتخابية، وجعلت الديمقراطية على المحك، فقد لاحظنا في فترة الصباح إقبال بعض “سماسرة الإنتخابات” على مكاتب التصويت، و حسب العديد من التدوينات الفيسبوكية، و شهود عيان من المواطنين، وأيضاً مرشحون باللوائح الإنتخابية، فقد طال هؤلاء “السماسرة” مجموعة من المكاتب من بينها : “مدرسة البصيري و ابن عشير و الحسن الوزاني و 20 غشت”، وكانوا هنالك يؤدون مهمة محددة، “يقومون بتقديم مبالغ مالية للمواطنين الوافدين إلى المكاتب، من أجل التصويت لأحزاب ومرشحين معينين”.. بل إن حديث الساعة كان حينها أن “فلان اشترى مكتب تصويت معين في مدرسة (..)، وهنالك يصوت المواطن أكثر من مرة”. هذه المشاهد الخارقة للقانون وللأخلاق، مورست بكل حرية، دون أي تدخل من السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، وهذا إن دل على شيء.. فإنما يدل على ضعف الدولة ومؤسساتها.. مع العلم أن هذا الضعف ليس حقيقيا.. بل قد يكون مفتعلا من بعض “المسترزقين” التابعين للسلطات المحلية.

هذه النقطة جعلت من العملية الإنتخابية محط استغراب وغضب بعض المواطنين الغيورين على مصلحة الدولة والوطن، بل إنها جعلتني شخصيا أشكك في مدى سلامة نتائج هذه الإستحقاقات الإنتخابية بمدينة طنجة.

أما عن النقطة الثانية فهي متعلقة بمدى وعي الساكنة بمفهوم الديمقراطية.. ودفاعها عن النزاهة والشفافية، مع التصدي لأشكال الفساد و التدليس. وأنا كنت من الذين يخافون التلاعب بالصناديق بعد انتهاء مدة التصويت.. ولكن هذا الخوف كان زائفا، فالضربة التي وجهها بعض مرشحي (التراكتور و الحصان و الميزان) لم توجعني كثيراً لأنني أعلم أن ليس لهم لا ضمير سياسي ولا شرف إنساني.. لم يوجعني وقوف السلطات متفرجة على ما وقع لأنني كنت أعرف أنها قبضت الثمن نقدا.. بقدر ما أوجعني النظر إلى تلك الأيَادِي التي مُدَّت ذَلِيلةً إلى المالِ الحرام.. أوجعَني النّظرُ إلى تِلك الأوجهِ البائِسةِ التي قَبِلت أن تُسْتَحمَرَ وتُستخدَمَ أدَاةَ إقصَاءٍ مُمَنهج للأحرار والكفاءات والشباب بطنجة، بل إنها قبلت أن تكون أداة إضرار بمصالحها العامة وحقوقها المكفولة دستوريا.

لقد رأيتهم وتمعنت النظر فيهم.. منهم أبناء الحي، والأقارب، والمعارف، في الأمس القريب فقط.. كانوا يقفون معي كالجبال في وقفات احتجاجية بمنطقة بني مكادة، نهتف سويا بشعارات التغيير والإصلاح، وكنا في كل القضايا العادلة نكون يد في يد.. مثل “قضية الساعة و الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد و مقاطعة المنتوجات”… ولكن سرعان ما غيرت أموال الحرام النفوس.. وقلبت القلوب. ساكنة تعيش الفقر والحرمان والهشاشة.. ومع ذلك تبيع صوتها لشخص الجميع يعلم أنه من رموز الفساد، وتقصي بذلك شبابا وكفاءات متعلمة مثقفة نزيهة، خاضت معركة تشكيل اللوائح ومعركة الحملة الإنتخابية، و بجرة قلم غير مسؤولة تهدم ما تم بناؤه.

هذا المشهد السريالي في الفساد والذل، في بيع حقوق الشرفاء.. و كأننا في حضيرة وحوش، استحقاقات لم تذق طعم النزاهة والشفافية.. لا ديمقراطية ، لا نزاهة ، لا شفافية ، لا رقابة ، لا إنصاف ، لا عدالة.. نحن في وطن الإستثناءات، وطن الجهل، وطن تشتيت الكفاءات وتهميش الشباب.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق