مقالات الرأي

ضوء أحمر:   سير الألمان على خطى الأميركان بفعل تموقع المغرب البادي للعيان

بقلم د. الشريف الرطيطبي

هل “الأزمة الديبلوماسية” بين المغرب وألمانيا هذه الأيام لها أسبابها العميقة، أم أنها مجرد سحابة صيف في العلاقات بين البلدين؟ وهل موقف الجرمان من قضيتنا الوطنية الأولى قناعة رسمية مؤكدة، أم أنها “نزوة سياسية” قد يكون وراءها إغراء جزائري ما؟ أم إن العلاقات المغربية- الألمانية توضع اليوم على المحك بفعل تجاذبات دولية لها أسبابها الاقتصادية والجيو- استراتيجية؟

هذه أسئلة- من بين أخرى- الغرض من محاولة الإجابة عنها هو معرفة ما جرى وما يجري علنا وبالحجة، بعيدا عن التوهمات بما يجري في الكواليس أو التكهنات نظير تهمة التجسس على المملكة، والبحث عن مصالح مادية مثل الحصول على غاز طبيعي جزائري بثمن بخس.. إلخ .

إن الحقيقة التي لا خلاف حولها في السياسة الدولية هي: “لا صديق دائم ولا عدو دائم”. و بالتالي فالدائمة هي المصالح، لأن منطق السياسة مصالح. فما هي المصلحة- أو المصالح – التي يطمح إلى تحقيقها الألمان بمواقفهم المعادية للمملكة المغربية في واحدة من أقدس قضاياها ألا وهي وحدتها الترابية؟ وقد أصبحت العداوة بادية للعيان من خلال تحركهم في إطار الاتحاد الأوربي والحرص على مراسلة الرئيس بايدن بغرض التراجع عن القرار التاريخي للرئيس ترمب اتجاه المملكة، وايضا ما حدث بمدينة بريمن من اعتراف بجمهورية الوهم!

 

فبالعودة إلى التاريخ المعاصر نجد أن ألمانيا كانت، في عدة مناسبات، تقف إلى جانب المغرب “متضامنة مع وحدته واستقلاله”، نظير تصريح الإمبراطور غليوم الثاني في زيارته لطنجة سنة 1905 يوم قال أنه” يزور المغرب المستقل” في إشارة إلى “الاتفاق الودي” السري الموقع سنة 1904بين فرنسا وانجلترا الذي يقضي بتخلي هذه الأخيرة عن أطماعها في المغرب مقابل تخلي فرنسا عن أطماعها في مصر. لكن نتيجة ردود فعل الدول الاستعمارية الأخرى، وفي مقدمتها ألمانيا ، كانت هي عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 بحضور ألمانيا ،ليدق فيه آخر مسمار في نعش المغرب المستقل! وستتدخل جرمانيا مرة أخرى لوقف التفاهم الفرنسي- الإسباني حول اقتسام المغرب سنة 1911، مهددة بالتدخل العسكري الذي عرف ب”أزمة أكادير”، والتي لم تنته إلا بعد تنازل فرنسا عن جزء من “الكونغو الفرنسي” لها!

ومن خلال هذين المثالين يشهد التاريخ أن مواقف ألمانيا بخصوص المغرب في ما مضى، يوم كان المغرب ضعيفا عسكريا واقتصاديا، لم تكن حبا في المغاربة، وإنما بحثا ودفاعا عن مصالحها الحيوية. هذا ما يشهد به التاريخ الذي لا يظلم أحدا! لكن كيف يمكن الحديث اليوم عن مس مصالحها في المغرب وهي من القوى الصناعية الكبرى، وواحدة من الدول المانحة للمغرب كعربون على علاقاتها الممتازة مع المغرب؟!

إن الجديد الذي عرفه المغرب في علاقاته مع ألمانيا، ومع دول أوربية أخرى، هو تطورات متسارعة في العشرية الأخيرة بعثرت الأوراق، ووضعت مصالح هذه الأخيرة في مهب الريح. فبفضل الرؤية الاستراتيجية الثاقبة لملك البلاد المتمثلة في العودة إلى الاتحاد الأفريقي، وانفتاح المملكة إنسانيا واجتماعيا على دول القارة السمراء، وعقد شراكات تعاون اقتصادي وعلمي وثقافي جنوب-جنوب مع العديد من دولها، وأيضا مع قوى عظمى كالصين وروسيا وأمريكا،جعل منها رقما اقتصاديا صعبا. وجاء الموقف الأمريكي ليزيح ورقة التوت عن مواقف فرنسا وإسبانيا ومن ورائهما ألمانيا ودول الاتحاد الأوربي، وهي المستفيدة من الأزمة المفتعلة حول الصحراء المغربية بتعطيلها لمسيرة اتحاد مغرب عربي قوي اقتصاديا وسياسيا ، معبرة بذلك عن نفاق سياسي كشف عنه الرئيس ترامب وقتلته مواقف عملية جريئة لدول عربية وأفريقية شقيقة وصديقة بفتح قنصلياتها بالصحراء المغربية. وفي الوقت الذي لا تزال فيه فرنسا واسبانيا تتلكآن في موقفيهما، عبرت ألمانيا بصريح العبارة عن موقفها وهي تراسل من خلال الاتحاد الأوربي الإدارة الأمريكية الجديدة بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء. وهي ترى أن المغرب سيصبح محورا أساسيا في التجارة الدولية بفضل ميناء طنجة المتوسطي أولا وبعده ميناء الداخلة. و بالتالي سيهدد مصالح دول إفريقية وأوربية تستفيد من التوتر كأمر واقع، كجنوب أفريقيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، خاصة وأنها ترى في الاستثمارات الأمريكية والخليجية والإنجليزية والصينية في الطاقات المتجددة وتحلية مياه البحر والزراعات الصحراوية، منافسا قويا لها. كما أن دورها المرتقب بخصوص حلحلة القضية الفلسطينية بعد استئناف العلاقات مع إسرائيل، ونجاحاتها في الوساطة الليبية رغم محاولة إقصائها من طرف ألمانيا، سيجعل من المملكة دولة محورية في السياسة الدولية. وعندما يقول السيد بوريطا إن المغرب يرفض أن تبقى أوربا في وضعية مريحة على حساب المصلحة الوطنية للمغرب، ويرفض منها الأستاذية وأن يلعب دور الدركي بخصوص الهجرة السرية، فهو يعبر على أن بلدنا أصبح يملك عدة أوراق قوية في تعامله مع ألمانيا وأخواتها من دول الاتحاد الأوربي .هذا فضلا عن المعلومات الاستخباراتية التي جنبت بعض شعوبها حمامات دم إرهابية.

ولكل هذه الأسباب، ووفقا لمنطق “السياسة مصالح ” يا فلان ، نتوقع سير الألمان على خطى الأمريكان. الله المعين.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق