مقالات الرأي

الديمقراطية التشاركية.. بين وهم المشاركة وحقيقة العزوف

لقد كرس الإصلاح الدستوري لسنة 2011، متبوعا بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، مبدأ المشاركة المواطنة في التشريع الوطني، والتي أعطت هامشا مهما للمجالس الترابية المنتخبة في تفعيل وتطبيق آليات تشاركية للحوار والتشاور مختلفة الأهمية على عدة مستويات: الإخبار، الاستشارة والتشاور وكذا الإصدار المشترك للقرار.
وتشكل الديمقراطية التشاركية حسب الوثيقة الدستورية إحدى الأسس الأربعة التي يستند عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية، حيث وردت في المقام الثاني من الفصل الأول، مقرونة بالمواطنة بعد “فصل السلط”، ومتبوعة ب”مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة”. وهي الإطار المؤسساتي الذي تتحقق من خلاله المشاركة المواطنة والحوار والتشاور بين مختلف المؤسسات والمصالح العمومية من جهة، والجمعيات والمنظمات غير حكومية والأفراد المجتمع المدني من جهة ثانية. وذلك لتحسين ظروف عيش المواطنين والدفاع عن حرياتهم وتمكينهم من الحقوق الأساسية ومن التنمية المستدامة والمستوفية لشروط الكرامة، في إطار دولة الحق والقانون والمشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وترسى فيها دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
وبكل صراحة الدستور المغربي كان واضح في هذا الاختيار فمن ديباجته التي أصبحت جزء لا يتجزأ من الدستور : “إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة… ” وهو ما جعل المشاركة من ركائز الدولة المغربية الحديثة واختيار لا رجعة فيه، كما نص الفصل الأول على انه : “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة” .
هذه المقتضيات الدستورية وغيرها توضح بشكل جلي سعي الدولة الى الحسم في مسألة جعل النظام الديمقراطي اكثر دمقرطة بادماج فئات جديدة تشارك في التدبير الشان العام وتحقيق التنمية للبلاد، كما نص الفصل 12 على حرية تأسيس وعمل جمعيات المجتمع المدني والتي لايمكن حلها إلا بمقتضى مقرر قضائي ، وبذلك تحصن فعاليات المجتمع المدني من اي اقصاء من قبل السلطات العمومية، بحيث حصر قرار حلها أو توقيفها في يد القضاء وحده، وبسط اختصاصات المجتمع المدني في كون الجمعيات المهتمة بالشأن العام تساهم في إعداد القرارات والمشاريع لفائدة السلطات العمومية, وتلزم هذه الاخيرة أن تعمل على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك كل الفاعلين في وضع السياسات العمومية وتتبعها وتقويمها وتفعيلها, وهو ما يجعل الفاعل الجديد في الساحة الديموقراطية لبلادنا يقف على قاعدة صلبة من ناحية حرية العمل والمشاركة في اعداد المشاريع والبرامج، فالمشرع الدستوري حاول من خلال مأسسة المجالس التشاركية للحوار والتشاور عبر الوثيقة الدستورية؛ إحداث تعاقد جديد بين السلطة المنتخبة أو السلطة الإدارية من جهة، وبين المواطنين والمواطنات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني من جهة ثانية.
وقد تجسد هذا أيضا على المستوى الترابي فقد جاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية .14111 112 113 لتزكية وتفعيل المكتسبات الدستورية للديمقراطية التشاركية، وبالخصوص تعزيز مبادئ الحكامة على المستوى الترابي، فتطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 139 من الدستور نصت القوانين التنظيمية على إنشاء هيئات إستشارية داخل كل من الجهات، العملات والأقاليم، الجماعات.
 الهيئات الإستشارية والتشاركية بالجهات:
– هيئة تختص بدراسة القضايا المتعلقة بإهتمامات الشباب.
– هيئة بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة التنوع.
– هيئة بشراكة مع الفاعلين الإقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة قضايا الجهوية ذات الطابع الإقتصادي.
 الهيئات الإستشارية والتشاركية بالعمالات والأقاليم.
– هيئة تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.
 الهيئات الإستشارية والتشاركية بالجماعات.
– هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع

لكن بتقييم مرحلة عشر سنوات من التنصيص الدستوري لآليات الديمقراطية التشاركية، ونصفها على خروج القوانين التنظيمية حيز التطبيق كقفزة نوعية على مستوى إشراك الفاعل المدني بجميع أطيافه في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية المتخذة، إلا أن هذه الآليات تواجه مجموعة من التحديات والمعيقات تحول دون ممارسة هذا الحق على أحسن وجه أو كما ينبغي له ان يمارس.
وتختلف هذه الإكراهات والمعيقات بين تلك المرتبطة بالارادة الحقيقية للفاعل السياسي والسلطات العمومية لتطبيق الديمقراطية التشاركية باشراك ومشاورة الفاعل المدني من ناحية، وعزوف عن المشاركة المواطنة من طرف المواطنات والمواطنين، وضعف قدرات المجتمع المدني من ناحية أخرى، ولعل هذا كله راجع بالأساس لعدم ثقة الفاعل المدني في مؤسسات الدولة وصانعي السياسات العمومية والفجوة الكبيرة التي بين النص والممارسة
فبالنظر الى مسالة تقديم العرائض والتشاور العمومي على المستوى الترابي نجد بها شروط مجحفة وإقصائية لفئة من المواطنين كشرط ان يكون موقعو العرائض الجهوية والإقليمية التسجيلين في اللوائح الإنتخابية، وقد تم التخفيف من هذا الشرط بالنسبة للعرائض التي تقدم لذا الجماعات، اما على المستوى الوطني فتم اقصاء الجمعيات والمنظمات المدنية من تقديم العرائض وملتمسات التشريع. فهل هو خوف من التغيير؟ ام هو تحصين للتجربة من الانحراف؟ ام ان هذه المشاركة المواطنة مجرد حديقة خلفية ليس لها أي وقع او تأثير على البناء الأساسي؟
تظهر ملامح عدم وجود الإرادة الحقيقية لتفعيل المكتسبات الدستورية جليا في التباطؤ الذي عرفه بقصد او بدون قصد خروج القانون التنظيمي للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي حيت لم يعرف النور لحد الآن وقد أتمم سنته العاشرة من العمر الدستوري. وحتى الهيئات التشاورية التي كتب لها ان ترى الحياة تبقى بعيدة كل البعد عن الآمال التي علقت عليها، فدورها يبقى شعلي بروتكولي أكثر منه دور حقيقي وفعلي في تقديم الآراء الاستشارية والمساهمة في الحكامة الترابية وخلق التنمية المحلية.
وعدم وجود إرادة حقيقية لتسريع وتفعيل المشاركة الفعلية للمواطنين والمواطنات في تدبير الشأن العام وتوفير ممارسة اليالت الديمقراطية التشاركية والتفاعل معها بشكل إيجابي من لذن السلطات العمومية أذى وسيؤذي لا محالة الى توسيع الهوة بين المواطنين والدولة والانتكاسة في منسوب الثقة بعدما كانت وصلت الى نسب لم تكن لتكون لولا ثورة الشباب في 20 فبراير 2011 والتجاوب معها بالتسريع في عملية الإصلاحات العميقة في البنية الدستورية ومفهوم السلطة.
لكننا اليوم وبعد مرور عشر سنوات للحراك الشعبي العظيم نجدنا نعاني ردة حقوقية ظهرت في تعامل السلطة مع المطالب الاجتماعية لحراكي الريف وجرادة، والتضييق على الحريات العامة بعدما خصص لها باب كامل فيما بعد الثورة واعطي له مكانة متقدمة في البنية الدستوري فهناك ملفات بالجملة لاعتقالات طالت صحفيين وناشطين حقوقيين.
فهذا كله سيؤذي لا محالة للرجوع لنقطة البداية والعزوف عن المشاركة السياسية خصوصا ونحن على أبواب انتخابات جديدة، انتخابات بطعم فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، انتخابات بطعم الحرمان من الديمقراطية، انتخابات بطعم انتكاسات في الحريات العامة وردة حقوقية, فلا يمكن الحديث عن المشاركة المواطنة الحقيقية والفعالة دون تكريس مبادئ الشفافية والمحاسبة، فلا وجود لمشاركة فعالة إلا في ظل الديموقراطية حقيقية التي تستوجب وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والإدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة وكذى المنتخبين في تسييرهم لشأن العام، في ضل قضاء مستقل يحمي المواطنات والمواطنين من تعسف السلطة واستغلال السياسي.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق