الضفة الأخرى
إسبانيا.. إصرار على مواصلة احتواء الوباء رغم تصاعد الغضب والمظاهرات
– حفيظ البقالي —
مدريد – في خضم موجة ثانية جد قاسية لجائحة فيروس (كوفيدـ19)، التي خلفت حتى الآن أكثر من 36 ألف قتيل، تصر إسبانيا على مواصلة حربها ضد هذا الوباء عبر فرض تدابير وقيود مشددة جديدة تسببت بشكل أو بآخر في تصاعد موجة من الغضب والتذمر لدى مجموعة من الفئات، التي خرجت بعد نفاذ صبرها في مظاهرات احتجاجية بعضها كان عنيفا وتحول إلى أحداث شغب وتخريب.
فإسبانيا التي كانت أول بلد أوروبي يتجاوز قبل أسبوعين عتبة مليون حالة إصابة بفيروس (كوفيدـ19)، أقدمت أمام المنحى التصاعدي في حالات الإصابة التي سجلت خلال الأسابيع الماضية على إعلان حالة الطوارئ في مجموع التراب الإسباني لمدة ستة أشهر (مبدئيا حتى 9 ماي المقبل)، وما تلاها من قيود صارمة لعل أبرزها فرض حظر التجول الليلي، وهو الأمر الذي أجج غضب الشارع ودفع بالمئات إلى النزول في مظاهرات واحتجاجات للتنديد بهذه القيود الجديدة في أكثر من 20 مدينة إسبانية.
لكن هذه التدابير التقييدية الجديدة التي جاءت لتواكب إجراءات أخرى مماثلة كانت قد دخلت حيز التنفيذ قبل هذا الوقت كحظر حركة تنقل الأشخاص والإغلاق الكلي أو الجزئي للعديد من المناطق وتقليص التجمعات وإغلاق المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه، وإن كانت أقل صرامة من تلك التي اعتمدت خلال فصل الربيع الماضي الذي اتسم بالعزل التام والحجر الصحي، فإنها كشفت من جهة أخرى عن الإرهاق الكبير الذي أضحى يعانيه المجتمع جراء هذه الأزمة الصحية، وكذا مدى التذمر والغليان الذي يعتمل بداخل كل مكوناته، والذي انعكس في مظاهرات واحتجاجات جابت أهم مدن البلاد وتحول بعضها إلى اشتباكات ومواجهات مع قوات الشرطة وإلى أعمال شغب وعنف وتخريب.
ودفع هذا الغضب المتراكم اتجاه هذه القيود المشددة المفروضة منذ قرابة ثمانية أشهر لدى العديد من الفئات من عمال ومستخدمين ومهنيين وأصحاب الأنشطة الاقتصادية الصغيرة، الذين تضرروا بشكل كبير من تداعيات الجائحة، لكن أيضا لدى بعض الرافضين لتدابير الإغلاق وأنصار نظريات المؤامرة والمشككين إلى النزول للشوارع بالمئات منذ الأسبوع الماضي للاحتجاج والتنديد بهذه التدابير والقيود الجديدة والمطالبة بـ “الحرية”، وذلك بعدة مدن لاسيما ببرشلونة وإقليم الباسك وسانتاندير ولاريوخا ومورسيا ومالقة، لكن أعنفها كان بمدريد العاصمة ليلة السبت إلى الأحد.
وتحولت هذه المظاهرات إلى أعمال شغب وعنف، حيث وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين الذين عمدوا في بعض المدن إلى إضرام النار في صناديق القمامة وتخريب بعض الممتلكات العمومية وتكسير واجهات المتاجر ورشق رجال الشرطة بالحجارة والمواد الصلبة والحادة، ما أسفر عن إلقاء القبض على أكثر من 60 شخصا وإصابة ما يزيد عن 20 آخرين بجروح من ضمنهم عناصر من رجال الشرطة.
وندد بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية بهذه الأحداث وأعمال الشغب والتخريب، مشددا على أن “السلوك العنيف وغير المنطقي لبعض المجموعات التي هي أقلية أمر لا يمكن التسامح معه”.
وأكد سانشيز أنه “من خلال المسؤولية والوحدة والتضحية فقط، يمكننا التغلب على هذه الجائحة التي تضرب جميع الدول”.
كما أدانت مختلف الأحزاب السياسية الإسبانية من أغلبية ومعارضة هذه الأحداث وأعمال الشغب والعنف، “التي جاءت بإيعاز من أقليات متطرفة سواء من اليمين أو اليسار ومن مجموعات مشبوهة”، واعتبرتها لا تخدم صورة البلاد خاصة في هذا الظرف العصيب التي تجتازه إسبانيا.
وعبر قادة الأحزاب ومن ضمنهم بابلو كاسادو زعيم الحزب الشعبي، القوة الرئيسية في المعارضة، عن شجبه لهذه الأحداث “ودعمه للسلطات والأجهزة الأمنية التي تحافظ على النظام العام في مواجهة اضطرابات أقلية عنيفة”.
ورغم إدانة هذه الاحتجاجات وما صاحبها من أعمال عنف وتخريب، فإنها كشفت بطريقة أو بأخرى حسب العديد من المتتبعين عن نفاذ صبر الجميع اتجاه هذه الأزمة الصحية التي مست تداعياتها كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية، وأثرت من خلال القيود والتدابير الاحترازية المفروضة التي استمرت لأزيد من ثمانية أشهر حتى الآن على بنية المجتمع ونفسية السكان وعلى علاقاتهم الاجتماعية والتواصلية.
لكن السلطات العمومية تظل ملتزمة رغم وعيها بثقل هذه القيود المفروضة في إطار الجهود المبذولة لمحاصرة تفشي الوباء بضرورة استمرار سريانها، خاصة في ظل التزايد المتسارع لعدد حالات الإصابة بالمرض، الذي يسجل منذ عدة أسابيع وإن كانت تستبعد حتى الآن اعتماد الحجر الصحي والإغلاق الشامل كما حدث في الربيع الماضي.
فقد أكد سلفادور إيلا، وزير الصحة أمس الاثنين، أن الحكومة “تستبعد ضرورة القيام في الوقت الحالي باعتماد الحجر الصحي أو العزل الشامل، لأنها تعتبر أن التدابير والإجراءات التي تم تفعيلها في إطار إعلان حالة الطوارئ هي كافية لوقف انتقال فيروس (كوفيدـ19)”.
وجاء هذا الإعلان مباشرة بعد أن طلبت الحكومة المحلية لجهة أستورياس أمس من وزارة الصحة، الموافقة على تفعيل الحجر الصحي لمدة 15 يوما بهذه الجهة.
وقال سلفادور إيلا إن الحكومة “لا تفكر الآن في اعتماد إجراء الحجر الصحي والعزل التام ولا تخطط له”، مشيرا إلى أن مجموعة التدابير والإجراءات التي تطبقها الجهات المستقلة التي هي المسؤولة حصريا عن تدبير القطاع الصحي، من قبيل حظر التجول الليلي وتقليص التجمعات الاجتماعية وحظر حركة التنقل وغيرها، تظل كافية لمحاصرة انتقال العدوى”.
وحسب آخر حصيلة أعلنت عنها وزارة الصحة الإسبانية، أمس الاثنين، فقد بلغ عدد حالات الإصابة بفيروس (كوفيدـ19)، مليونا و240 ألفا و697 حالة، بينما تقدر عدد حالات الوفيات بـ 36 ألفا و257 حالة، وذلك منذ بدء تفشي الوباء في البلاد.