مقالات الرأي

أنا فتاة بسيطة

إنها السابعة صباحا، يوم طويل ممل كئيب سأعيشه، قمت من نومي أسحب قدمي، وتتخلل دماغي فكرة عيشي ليوم كئيب آخر ،بكل ملل،ذهبت إلى الحمام ،بعدها صليت فريضتي و جلست أمام نفسي أعيد شريط الأشياء التي تزيد من تدهور حالتي.
وقفت أمام المرآة، لأول مرة لم أعرف من أنا ؟بادرتني أسئلة كثيرة.. من هذه العجوز الشابة ؟ مالذي جعل المسكينة تصل إلى هذه الحالة؟
أشفقت عليها، بدأت أفكر فقط بحل أساعدها به لأخرجها مما هي فيه..
لكم لم أكن أعلم أن من أوصلها لحالها هذا هي “آناي”، نعم “آناي”، احتقرتها يوما بعد يوم ، أرهقتها بالتفكير المسموم الذي لاينفع لأي شيء، أشقيتها ، حَاولَت المقاومة ، لكن المسكينة كانت تبني وأنا أهدم.
والأكثر من هذا، لم أرهقها هي فقط، بل أرهقت من حولي.
أيامنا في الدنيا معدودة، لايعرف أحد ماقد يحصل بعد دقيقة أو أقل، إذ مرة قرأت عبارة أرعبتني “جنازة الغد صاحبها يتنفس الآن”.
ماهذا الهراء الذي أعيشه، لما أُتعب نفسي بتفاهات غير نافعة، وأنسى لما خٌلقت.
أنا وغيري في الدنيا لشيء واحد فقط هو العبادة ، إذا اتقنتها فزت في حياة الخلود ، لماذا لاأشكر ربي في السراء، وأصبر وأدعوه وأشكو إليه في الضراء ، وأفوِّض أمري إليه، لماذا لاأفكر بما أملك ولايملكه غيري ، أفكر في ماينقصني فقط. لدي من النعم مالايُحصى أفضل من غيري، لدي الكثير الكثير.
تنفست بعمق ، وأسرعت للاستحمام.. ياه ماألذ الماء..وضعت الكثير من الشامبو والصابون على جسمي..لإراحتي وفتح مسامي..خرجت وارتديت ملابسي الجميلة التي كنت أنتقدها لأنها لاتناسب ذوق الناس من حولي .
سرحت شعري .. رششت القليل من عطري الذي كنت أضعه في المناسبات فقط ،أَنْفِي أوْلى به من أُنُوف الناس، وضعت بعض الكريمات التي لم أستعملها قطّ ،كان مكانها دائما مهمشا لاتُستعمَل.
نظرت لنفسي من جديد، أنا جميلة ، ابتسمت بكل جوارحي، خرجت من غرفتي، بدوت نشيطة، تناولت إفطاري، وبدأت بذكر الله في كل خطوة ، أريد الفوز برضا الله، ورضا أحبتي الذي كانوا يتعبون من أجلي ، ورضا نفسي بعيدا عن الأنانية
بدأت بالقيام بمهامي اليومية بثقة وسعادة قررت أن أكون مصدر سعادة لنفسي ولعائلتي ، قررت أن أعالج نفسي بنفسي لأجلي.
اقتربت من خالقي، من عائلتي ،ابتعدت عن كل مايضرني،لم تعد لدي القدرة للتعرف على أُناس جدد، فأنا في المراحل الأولى من إصلاح نفسي، لاقدرة لي للعودة لعالمي القديم مرة أخرى .
لاأُنفي سعادتي ولا أُنكر وجود مشاكل مع أهلي ، هنالك القليل من الصراعات البسيطة سببها :من جهة ، عدم تقبل الطرف الآخر تغييراتي ومن جهة أخرى عدم تقديري للغير وملاحقة ماتبقى من “التفكير المسموم” لي ومحاولته لجرِّي إلى العام الكئيب.
تغيرت حياتي، أصبحت رائحتي مميزة و ذوقي مميز.. أصبحت أسعد من حولي بايجابياتي ،ظهر أثر ضحكاتي على بيتي ..لم أعد تلك الشاكية الباكية بل أصبحت الواثقة المعتزة بذاتها، لعل الله يديم علي سعادتي وهنائي وأدعوه بكل ماأريد وبكل مايريده من حولي، ثم أضع رأسي على مخدتي الباردة وأذكر الله.. وأفكر بأن كل يوم قادم سيكون جميل بسهولته وأجمل بصعوبته وفي كل أجر.. ثم أستسلم لنوم هادئ.
أعترف أنني وفي فترة أبتعد عن الجميع ،لاأمهد الطريق لأحد بل أصنع طريقا شاقا شائكا، أتخلى فيه عن كل الرغبات ، وأدفن الشوق في أعماقي وأرحل في هدوء تام، لاأشعر بالندم اتجاه أحد، لاأشعر بالشفقة أو الفقد لأي شخص ،ذلك نتاج لقسوة المواقف وأشكال المكر والخذلان التي حدثت في حياتي ، انطفأت رغبتي في الحصول على رفقاء جدد أو البقاء مع أشخاص تسببوا في إيذائي ولو بكلمة عابرة ، أنا من الأساس لامكان لي وسط هذا العالم المصطنع، لأصحاب القلوب القاسية، المزيفين الذين يجيدون ارتداء لباس المكر والدوس على كرامة الآخر سواء عن قصد أو بغير قصد تحت ذريعة “مافي القلب نفسه افي اللسان” ، “أنا لاأجيد تزيين الكلام” أو “لاعظم في اللسان” وغيرها من الخزعبلات المتفشية …. حقا لاأعلم مالذي يجري في هذا العالم الأسود الممتلئ بأصحاب المكر والدهاء في سبيل تحقيق مصالحهم المماثلة لنعوتهم.
مشكلتي أنا كمريم لاتكمن في علاقاتي بالناس، مشكلتي عبارة عن أحداث ومواقف وتفاصيل شوهت داخلي وحطمتني حتى أصبحت ماأنا عليه اليوم.
أنا مريم، الفتاة البسيطة المعقدة ، المحبة لعائلتي ،العاشقة للوحدة، المحبة للخروج من المنزل كثيرا لكن لاأفضل من التواجد في غرفتي طوال اليوم ، الخائفة من الظلام، لكن أهوى الجلوس في غرفتي المظلمة ، المحبة للكلام والضحك ، لكن صامتة أغلب الوقت . تسعدني الموسيقى والروايات و الأمكنة الهادئة ،والأهم من كل هذا الكلمات الطيبة.
لاأحب الصراعات الطويلة، لاأحب الخصام ، أكره التلاعب بالكلمات لجرح مشاعر الآخر و الإحساس كبطل لأنك قلت كلمة عجز الآخر عن الرد عليها، لكن عفوا سأشرح لك أنت قتلت شخصا دود مسدس ولا سكين … فاحذر من هذه الرصاصات المطلقة دون رحمة فبعض الأشخاص تقتلهم كلمة وتسعدهم نصف كلمة أو ابتسامة صادقة .
قد تجرح انسانا بكلمة لاينام بسببها يوما كاملا.. لكن كلام الله فوق كل شيء “ولقد تعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين”
فرغم لحظات سقوطنا وانهيارنا -بسبب الكلام المتسخ الغير المُختار – لكوننا بشرا ضعيفا ، يجب ترديد الدعاء “ياجبار اجبر كسري”.
أنا فتاة بسيطة أبسط من هذا العالم الخبيث البائس
بطريقةٍ ما ستدرك أن الطريق الذي اختاره الله لك، كان أفضل ألف مرة من الطريق الذي أردته لنفسك، وأن الباب الذي أُغلِق في وجهك ألف مرة، كان وراءه شرٌ محض، وأن اليد التي أفلتتك، لم تكن تناسبك منذ البداية،فاليد التي تعينك عند تعثرك ، أفضل وأنبل من مليون يد نصائحك عند الوصول ، والكريم من جاد بالموجود، فلا تستحي من إعطاء القليل ،فإن الحرمان أقل منه، ولاتلومن نفسك على خير أنت فاعله ، افعل الخير وليقع حيث يقع ،فإن وقع في أهله فهم أهله ، وإن وقع في غير أهله فأنت أهله ، البلاء الذي أنهكك لم يكن سوى رحمةٌ مُهداة، وأن انهيار الأسباب من حولك لم تكن بالقسوة التي ظننت، وإنما هي سنة الله في خلقه، وأن الأمر الذي جفاك النوم من أجله لم يكن يستحق كل هذا، وانك قلقت أكثر مما ينبغي، بطريقةٍ ما ستدرك أنك لست مالك أمرك، وأن أمرك إن ضاق واستضاق، له ربٌ هو أولى به، وأن الله رحيم، رحيم بالقدر الذي يُنجينا من شرور البشر، ومن أنفسنا حين لا نقوى عليها.
مريم الوزاني

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق