سلايدر الرئيسيةكوكتيل

أي ملامح للدخول الاجتماعي بالمغرب في ظل الجائحة؟

(بقلم: محمد الصغير)

انقضت سنة وأتت أخرى وجائحة أبت إلا أن تلازم مكانها، لتظل جاثمة على قطاعات مختلفة مترابطة بعضها ببعض، منها القطاع الاجتماعي الذي تضرر بفعل إجراءات احترازية لتجاوز “كوفيد-19” لم تسلم منه أي بقعة من بقاع العالم.

لذلك، فإن الدخول الاجتماعي وإذا كانت كل المؤشرات ذهبت إلى أنه سيكون حاملا لمفاجآت “سارة” تبعا لتراجع الوباء بعد نحو شهرين من انتشاره بالمملكة، بفعل توجيهات ملكية سامية ومبادرات حكومية، فإن منحنى التفاؤل بشأن هذا الدخول عاد إلى النزول، لاسيما مع أواخر شهر يوليوز الماضي حيث كانت انطلاقة تسجيل ارتفاع مهول في عدد حالات الإصابة والوفيات والحالات الحرجة.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط واضحة عندما عممت أرقاما “صادمة” حول الاقتصاد الوطني في زمن الجائحة، جاء فيها أنه في ظرف سنة، اعتبارا من الفصل الثاني من عام 2019 (بداية تفشي الوباء)، فقد الاقتصاد الوطني ما يقرب من 600 ألف فرصة عمل، أي بخسارة يقدر حجمها بـ265 مليون ساعة عمل في الأسبوع الواحد خلال الفترة ذاتها.

وحفاظا على الاستقرار الاجتماعي في زمن الجائحة، اتخذت الحكومة، منذ بداية انتشار الوباء وبتعاون مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، سلسلة من الإجراءات لدعم الاستئناف التدريجي لمختلف الأنشطة الاقتصادية التي توقفت جزئيا أو كليا خلال فترة الحجر الصحي، بالإضافة إلى اعتماد آليات ملائمة كفيلة بالتحفيز على إحداث مناصب الشغل والحفاظ عليها، خاصة في صفوف الشباب.

وفي هذا الإطار، تم وضع ميثاق الإنعاش الاقتصادي والشغل، الذي يحظى بانخراط الجهاز التنفيذي وأرباب العمل والبنوك، وعقد برنامج يروم دعم المقاولات والحفاظ على فرص الشغل، أمام استمرار تضرر قطاعات شديدة الحساسية إزاء هذه الظرفية، ولاسيما قطاع السياحة، ليظل السؤال معلقا حول سبل تفعيل هذه الآليات في ظل الأزمة الصحية التي ازدادت استفحالا مع بداية الدخول الاجتماعي، والذي أشرت على ملامحه احتفالات فاتح ماي لسنة 2020.

فقد كان عيد الشغل، وهو المتنفس الطبيعي للطبقة الشغيلة للتعبير عن مطالبها بشعارات ومهرجانات ومسيرات تشكل عادة أحد مضامين أي دخول سياسي، خارجا عن المألوف باعتماد خطابات عن بعد لقيادات مركزيات نقابية افتقدت فيها حماسات المطالب.

ومن بين أبرز ما تم التعبير عنه من طرف هذه المركزيات في فاتح ماي، دعوة الحكومة إلى الوفاء بالتزامات الاتفاق الثلاثي 25 أبريل 2019، في الدخول الاجتماعي الحالي، وخاصة منها الجانب المتعلق بزيادة 5 في المائة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص، وفتح المجال لترقيات الوظيفة العمومية في بعض المسارات المهنية المحدودة، بما في ذلك المساعدون الإداريون والمساعدون التقنيون والتقنيون، وذلك بفتح مسالك وسلالم جديدة لهذه الطبقة من الطبقات الشغيلة بالقطاع العام.

وكان الحوار الاجتماعي الذي انطلقت بداياته في 1994 بين الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والنقابات، باعتباره إطارا لتخفيف الاحتقان الاجتماعي وتحقيق المزيد من المكاسب لفائدة الطبقة الشغيلة والمشغلين على حد سواء، قد توج بالتوقيع في 25 أبريل 2019 على اتفاق ثلاثي (2019-2021)، من أهم مضامينه الزيادة العامة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وتحسين شروط الترقي لمجموعة من الفئات. وبالنسبة للقطاع الخاص تم الرفع من الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات والفلاحة، فضلا عن تنصيصه على الرفع من التعويضات العائلية، مع مواصلة الحوار في العديد من القضايا والملفات الأخرى.

وفي خضم الأزمة الحالية المتولدة عن الجائحة، انعقدت جولة جديدة من هذا الحوار الاجتماعي في 10 يوليوز الماضي خصصت للنهوض بالاقتصاد الوطني، حيث أكدت عدد من الأطراف على أهمية الاجتماع، خاصة وأنه يأتي عقب استئناف الأنشطة الاقتصادية في سياق تخفيف الحجر الصحي الذي فرضته جائحة “كوفيد-19″، وإعطاء دينامية جديدة للنسيج الاقتصادي الوطني.

ودعا رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، في هذا الصدد، إلى فتح نقاش إيجابي لخلق أرضية تفضي إلى اتفاق مع الحكومة وكافة الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مؤكدا على ضرورة بحث السبل الكفيلة بالحفاظ على ما یناهز 600 ألف منصب شغل مغلق مؤقتا في حوالي مائة ألف مقاولة في القطاع المهیكل، زیادة على 3,4 ملیون منصب شغل معلق في وضعیة هشة.

وأفاد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في الاجتماع بأنه توصل بحوالي 23 مذكرة من أحزاب ونقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، تضمنت عددا من المقترحات “حرصنا على أخذها بعين الاعتبار في مشروع قانون المالية المعدل للسنة المالية 2020، ومقترحات أخرى سنشتغل عليها في إطار نصوص قانونية وإجراءات لاحقة”.

وأضاف أن الرهان في المرحلة الحالية يتمثل في اتخاذ تدابير اجتماعية واقتصادية للحفاظ على مناصب الشغل، مشيرا إلى جهود الدولة المبذولة في دعم الاستثمار العمومي في مشروع قانون المالية المعدل، وإلى أهمية مواصلة تنفيذ الاتفاق ثلاثي الأطراف الموقع بتاريخ 25 أبريل 2019.

إلى ذلك، فتح الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة في 29 يوليوز الماضي بمناسبة ذكرى عيد العرش، أوراشا اجتماعية ضخمة تخص في جملتها الشق الاجتماعي الذي كشفت جائحة “كوفيد-19″، عددا من نواقصه من بينها، كما يقول صاحب الجلالة الملك محمد السادس “حجم القطاع غير المهيكل، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية. لذا، ينبغي أن نجعل من هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا”.

وتابع جلالة الملك “وفي هذا الإطار، نوجه الحكومة ومختلف الفاعلين للتركيز على التحديات والأسبقيات التي تفرضها المرحلة. وفي مقدمتها: إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل. وهو ما يقتضي تعبئة جميع الإمكانات المتوفرة من تمويلات وتحفيزات، وتدابير تضامنية لمواكبة المقاولات، خاصة الصغرى والمتوسطة، التي تشكل عمادا للنسيج الاقتصادي الوطني”.

ومما جاء في الخطاب الملكي، كذلك، “إن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات التي نقوم بها، هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. ويأتي في مقدمة ذلك، توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية. (..). لذا نعتبر أن الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة”.

ويجسد ورش تعميم التغطية الاجتماعية الذي أعلن عنه صاحب الجلالة تطلعات شريحة واسعة من السكان إلى مستقبل آمن وأفضل، كما أنه يشكل أحد مفاتيح تفعيل أحد حقوق الإنسان الأساسية والمساهمة في التماسك الاجتماعي، وبالتالي، في التنمية الاقتصادية للمملكة.

وتوقع خبراء أن تتسارع الأمور بعد هذا الخطاب الملكي لتجسيد مبدأ التغطية الاجتماعية الشاملة، خاصة وأن الجدولة الزمنية لهذا المشروع محددة بشكل جيد، حيث من المقرر أن يتم تعميم هذه التغطية في أفق عام 2025، من خلال مرحلتين، يتم في المرحلة الأولى (2021-2023) تعميم التأمين الإجباري على المرض والتعويضات العائلية، فيما سيجري في المرحلة الثانية (2024-2025) تعميم التقاعد على جميع الأشخاص والتعويض عن فقدان العمل لجميع السكان النشطين.

وتؤشر هذه المعطيات، على أن الحوار الثلاثي (الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل)، وهو أحد تجليات الدخول الاجتماعي، سيكون مثقلا بملفات تشكل طابع الراهنية، سواء ما تعلق بإصلاح أعطاب ولدتها الجائحة أو محاولة مسايرتها بأوراش تحافظ على توازن المجتمع.

وفرضت الجائحة على الدخول الاجتماعي أن يكون مؤطرا بأجندات محددة دون إضافة أوراش أخرى، من قبيل مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، المرتبط بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب الذي كان مبرمجا البدء في مناقشته بمجلس النواب يوم 16 شتنبر، ليتم تأجيله بطلب من فرق برلمانية منتمية إلى الأغلبية والمعارضة، بينما اعتبرت مركزيات نقابية أن الظرفية الحالية لا تسمح بمناقشة المشروع.

لذلك، فإن الدخول الاجتماعي سيكون مؤطرا بتداعيات الجائحة التي تفرض على المتحاورين التعاطي مع الملفات المعروضة، “بإمساك العصا من الوسط”، خاصة من طرف الحكومة والمركزيات النقابية، حفاظا على توازنات المجتمع في سياق يحتمل التوافق، في انتظار زوال الجائحة واتضاح الرؤية.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق