مقالات الرأي

دخول دراسي على صفيح ساخن.. ” تعليم ببداغوجيا الجزر “

بوشتى بوكزول.. أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي 

لا يجادل اثنان في كون الوضعية الوبائية ببلادنا شهدت منعطفا خطيرا في الآونة الأخيرة كغيرها من بلدان العالم في ظل جائحة أربكت جميع الحسابات ، وبعثرت كثيرا من الأوراق في صالونات القرار ، و كان لها انعكاسات خطيرة على جميع المستويات . كما فرضت أنماطا جديدة من التفكير ، واستنبتت ثقافة بديلة قوامها التباعد والتوجس من الأغيار وتعويض تلبية مختلف الحاجات بالخدمات عن بعد، مع تضييق على مستوى حضور الأفراد في فضاءات مشتركة من خلال تحديد ساعات التبضع أو قضاء بعض المآرب الضرورية ، وكذا من خلال تكثيف الإجراءات الاحترازية التي يفرضها قانون الطوارئ الصحية ، من تباعد اجتماعي وارتداء الكمامات وغسل اليدين بالماء والصابون أو المعقمات ، حتى صارت جزءا لا يتجزأ من السلوك اليومي للأفراد .
وفي غياب أفق واضح المعالم لتطور الحالة الوبائية ببلادنا ، و مع تأخر الوصول إلى لقاح فعال يحد من تفشي الوباء ، تبقى مختلف القطاعات الحيوية في وضع لا تحسد عليه ، وعلى رأس هذه القطاعات ؛ قطاع التعليم ، خاصة مع اقتراب بداية الموسم الدراسي الجديد 2020 / 2021 .
لقد وجدت الوزارة الوصية نفسها في ورطة كبيرة وهي تحمل على عاتقها تدبير قطاع حيوي يهم معظم الأسر المغربية التي أبدى كثير منها بعض المخاوف والتوجسات في ظل تزايد الحالات الوبائية في مختلف المدن المغربية . وقد خلصت هذه الوزارة بعد مخاض عسير من دراسة مختلف السيناريوهات المحتملة لإنجاح الدخول المدرسي ، إلى إقرار التعليم عن بعد كخيار أولي ومرحلي يراعي تطور مؤشرات الحالة الوبائية ، ويأخذ بعين الاعتبار السلامة الجسدية للمتعلمين والأطر التربوية والإدارية في انسجام تام مع السياسة المعتمدة للدولة المغربية منذ الوهلة الأولى لتفشي الوباء . وهذا يبدو خيارا حكيما ومتبصرا بالرغم من الإكراهات المالية والتقنية واللوجيستية التي يفرضها هذا النوع من التعليم ، وكذا بالرغم مما شاب هذه العملية في بدايتها من بعض الارتباك وعدم وضوح الرؤية و تقنينها وتكييفها حسب المناطق والجهات و الخصوصيات المرتبطة بالمجالين الحضري والقروي . ومع ذلك يبقى بديلا ناجعا عن التعليم الحضوري في غياب شروط تحققه .
إلا أن نهج الوزارة سياسة وضع الكرة في شباك أولياء الأمور وتحميلهم مسؤولية الاختيار في تمكين أولادهم من الدروس الحضورية من خلال التعبير عن هذه الرغبة ، يعد مجازفة غير محسوبة العواقب بما ستفرزه من انشقاق مجتمعي بين تلاميذ ” غامروا ” بالحضور فكان لهم الحظ الأوفر في الاستفادة من الدروس الحضورية وما توفره من شروط التعلم الطبيعي والمعتاد مع احتمال ولو ضيق الحدود في الإصابة بالعدوى من خلال الاحتكاك المعهود بين التلاميذ وملامستهم للأجسام والمسطحات وغيرها خاصة في المستويات الابتدائية . هذا من جهة .
ومن جهة أخرى نجد في مقابل ذلك تلاميذ اختار أولياؤهم الإبقاء عليهم في المنازل مع الاكتفاء بما توفره الأجهزة الرقمية من إمكانية التعليم عن بعد والتي غالبا ما ستقتصر على القنوات التلفزية الرسمية ، نظرا لكون قطاع عريض من التلاميذ خاصة في المجال القروي يفتقرون إلى مثل هذه الإمكانات .
وإذا سلمنا جدلا بكون الوزارة الوصية قد أعدت خطة واضحة المعالم لهذه الخيارات ، وانخرط في إنجاحها نساء ورجال التعليم فإنها ستخلق تباينا واضحا على مستوى التقويم في الفروض والامتحانات الإشهادية و سنساهم في خلق جزر متباعدة من التلاميذ على مستوى كفايات التعلم المكتسبة : جزيرة التعليم الحضوري ، وجزيرة التعليم عن بعد ، وبينهما بحر من الفوارق على مستوى القدرات والمهارات والكفايات الممكنة لخلق مدرسة دامجة ومواطنة .
لقد كان حريا بالوزارة من باب المسؤولية إشراك تمثيليات جمعيات أولياء أمور التلاميذ في مثل هذه القرارت الحساسة منذ الوهلة الأولى حتى تضمن انخراطا جماعيا و مسؤولا لجميع هذه الهيئات في إنجاح الدخول المدرسي وكذلك مختلف المركزيات النقابية الممثلة لمختلف الهيئات التربوية والإدارية ، على اعتبار أن قطاع التعليم ليس كغيره من القطاعات فهو الرافعة الأساس لبناء مغرب الغد وجيل المستقبل .

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق