مقالات الرأي
النهري: جميع الحكومات تحاول إيجاد حلول إبداعية للأزمة الناتجة عن جائحة كورونا إلا “حكومة العثماني”
أكد الدكتور حميد النهري، أستاذ ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، في حوار صحفي، أن قرار تعليق التوظيف مثال صارخ على أن الحكومة لم تستوعب دروس الجائحة، مضيفا “أن الظرفية الصعبة التي نعيشها جراء تداعيات جائحة كورونا تفرض علينا مناقشة انعكاسات هذا القرار بوضوح تام بعيدا عن التعقيدات التقنية وعن الأرقام والنظريات الاقتصادية؛ لذلك سأجيبك عن السؤال من خلال عدة زوايا إلا الزاوية التقنية”:
أولا: صدور هذا القرار في هذه الظرفية الصعبة يؤشر على أن الحكومة لم تستوعب دروس جائحة كورونا، وهذا الامر خلف استياء عميقا في نفوس شريحة مهمة من شبابنا وأسرهم.
فالحالة النفسية المتدهورة التي وصل إليها أغلب طلباتنا وطلابنا نتيجة الحجر الصحي والجائحة زادها هذا القرار سوءا.
فبالأمس كنا نقول إن الوباء سيقضي على كل شيء وحاولنا بشكل تضامني أن ننقد ما يمكن إنقاذه، واليوم بعد أن مررنا من جانب الكارثة، تُصدِر الحكومة قرارا، أظن أن آثاره النفسية ستكون خطيرة.
المواطن المحدود الدخل حالته النفسية متدهورة يعيش مشاكل اجتماعية لا حدود لها، وعتبة الفقر أصبحت تستضيف أسرا كانت إلى وقت قريب قبل الجائحة تعتبر خارج دائرة الفقر وبطالة بمختلف أنواعها نخرت وستنخر في الأيام المقبلة أكثر شبابنا.
أمام هذا الوضع تهديه الحكومة هذه الهدية المسمومة، والتي لن تؤدي إلا إلى الغموض، ولا قدر الله إلى الكارثة وانعدام الأمل.
ثانيا: الكل يعلم ما تمثله مناصب الشغل التي تأتي من خلال قوانين المالية السنوية من رمزية بالنسبة للمواطنين خصوصا الفئات الاجتماعية الهشة.
فالوظيفة العمومية هي مصدر أمان وتعويض لمواطنين يعانون كثيرا في مسارهم الأكاديمي حتى يصلون إلى مستوى الترشح لاجتياز مباراة لولوج الوظيفة العمومية.
كما أن منسوب الثقة من طرف المواطن في العمل مع القطاع الخاص مازال في بلادنا ضعيفا لا من ناحية الأجر ولا من ناحية الاستقرار في العمل وضمان حقوق الأجير.
ثالثا: مناصب الوظيفة العمومية تعتبر مَخْرَجا نخفي به الى حد ما فشل ومحدودية سياستنا العمومية على مستوى التشغيل، كما تخفي فشل القطاع الخاص في الانخراط في هذه السياسة والمساهمة في خلق مناصب الشغل بالمعنى الحقيقي.
وللأسف فقد أكدت جائحة كورونا أن الرهان على القطاع الخاص كان خاطئا، والآن أصبح مطلوبا اعتماد مقاربة جديدة وآليات جديدة للتعامل مع هذا القطاع الخاص، خصوصا على صعيد خلق فرص الشغل .
ورأينا ذلك خلال هذه الجائحة، وكيف أن الثقل الكبير في هذا الملف تم رميه على الدولة من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بل اعتماد مغالطات وابتزاز للدولة.
ونلاحظ اليوم أيضا من خلال المطلب الغريب لاتحاد مقاولات المغرب الذي يطلب تأجيل الزيادة في الحد الأدنى للأجور، والذي من المفروض تفعيله هذا الشهر تنفيذا لاتفاق ثلاثي الأطراف كان بين الدولة واتحاد مقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية بتاريخ 25 أبريل 2019. وفي نفس الوقت يطالب اتحاد مقاولات المغرب بتفعيل باقي المقتضيات التي في صالحه (الإضراب ومدونة الشغل).
وتابع حميد النهري، أن “جميع الحكومات تحاول أن تبدع في إيجاد حلول للأزمة الناتجة عن جائحة كورونا إلا حكومتنا تأبى أن تجعل مرة أخرى أصحاب الدخل المحدود يؤدون الفاتورة الثقيلة لوحدهم. وتريد أن تحول تلك الخطابات والشعارات والوعود التي أطلقتها خلال الجائحة إلى سراب وتفرغها من محتواها، كما هو الأمر دائما. مستعملة في ذلك الأسلوب المعتاد اسطوانة التوازنات الاقتصادية والمالية على حساب ما هو اجتماعي”، مشيرا إلى أن “الحكومة أصبحت تبدع في إيهام الشعب بضمان العيش الكريم فقط بالتحمل ومن خلال العالم الافتراضي ووعودها الزائفة. والأكثر من هذا ستفرض تقشفا أكثر مبررة ذلك للأسف بأن هذا الشعب هو الذي استطاع في نظرها أن تعيش الأسر المتضررة من جائحة كورونا بـ 800 درهم و1000 درهم و2000 درهم في أحسن الأحوال. ويتزامن كل هذا مع وضعية التشاؤم التي تعيشها الأسر ذات الدخل المحدود بسبب تراجع قدراتها المالية وتخوفها من هاجس البطالة وهاجس التقهقر الاجتماعي”.
وعن المستفيد من هذه السياسة الحكومية، قال النهري، “إن المستفيد، كما هي العادة، هم بعض رجال الأعمال أو ما نسميهم تجار الأزمة الذين أصبحوا يشكلون لوبيات تؤثر وتضغط من أجل الحفاظ على مصالحها كما هي العادة، بل أكثر من ذلك تحاول أن تستفيد من ربح أكثر. هذه اللوبيات تتشبع باقتصاد الريع والمفهوم الخاطئ الليبرالية واقتصاد السوق وتريد من المواطن أن يتقشف لكي تنتعش هي، وتريد من الدولة أن تضحي بشعبها في سبيل ضمان استمرارية أرباحها. وفي الحقيقة هي التي توجه اليوم سياستنا العمومية لمصلحتها بحكم قوة تأثيرها وبحكم تحكمها في القرار.”
وحول استشهاد الحكومة لجوئها إلى قرار تعليق التوظيف إلى ثقل نفقات التسيير في الميزانية السنوية، خصوصا نفقات الموظفين، أوضح النهري، أن “هذا هو الخطأ دائما، نقول ارتفاع قيمة نفقات كتلة الأجور المؤثرة ولا نهتم بقيمة نفقات أخرى تؤثر أكثر على الميزانية، مثلا الخسارة المالية السنوية التي تحدثها الامتيازات الضريبية الضخمة التي يستفيد منها الرأسمال وتتنازل بمقتضاها الدولة عن أموال مهمة كان بالأحرى استعمالها في سياسات اجتماعية تنموية”.
وأردف النهري، أن “هناك مثال آخر هو المبالغ الخيالية للتهرب الضريبي ونهب المال العام الذي أصبح يحظى بقاعدة (عفا الله عما سلف).. كما أن هناك مشكل آخر يتمثل في نظام المحاسبة المعتمد والذي يغيب بعض العناصر التي لا يتم احتسابها، وبالتالي تجعل قيمة نفقات كتلة الأجور مرتفعة جدا. بل الغريب في الأمر أننا عندما نستعمل معطى ارتفاع كتلة الأجور نظهر وكأننا نتوفر على موظفين أكثر من المعقول، ولكن إلقاء نظرة سريعة على جميع القطاعات نجد أننا ما زلنا في حاجة إلى موارد بشرية في أغلب القطاعات الوزارية”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “هناك فعلا إكراهات مالية نتيجة الجائحة لم تكن مسبوقة، ولكن جميع الدول تعيد النظر في سياساتها وفي اختياراتها أولوياتها تأخذ بعين الاعتبار دروس الأزمة. وحكومتنا لجأت إلى نفس أساليبها المعتادة. أي عوض أن تختار تفعيل مبدأ البحث عن الأموال حيث توجد لضمان إلى حد ما تمويلا لتجاوز آثار جائحة كورونا نجدها مرة أخرى تلجأ إلى الطريقة السهلة، وهي توفير الأموال من الفئات الاجتماعية المحدودة الدخل وبالتالي ضرب قدرتها الشرائية”.
وأشار إلى أنه “في هذا الإطار يمكن وضع قرار تعليق التوظيف في أغلب القطاعات الوزارية كمثال صارخ لمجموعة من القرارات التي تتخذها الحكومة لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، والتي ستنعكس سلبا على أغلب المواطنين؛ وهذه القرارات تبرز للأسف أن الحكومة لم تستوعب دروس الجائحة”.
وفي الأخير شدد النهري، أن “المغرب أمام فرصة يجب استغلالها، وإن تجاوز مخلفات جائحة كورونا يحتاج سياسة أكثر جرأة وإبداع سياسة تستغل في هذه الظرفية هامش الاستقلالية تجاه التأثيرات الداخلية ممثلة في جماعات الضغط وتجاه المؤسسات المالية الدولية. وتعطي الأولوية للمواطن والسياسة عمومية جديدة تجعل من أولوياتها التعليم الصحة الشغل العيش الكريم. فالشعب المغربي يستحق ذلك”.