سلايدر الرئيسيةطنجة أصيلةمجتمع
الطنجاوي مراد لهبيل.. “حلاق الأطباء” المتطوع بمستشفيات فرنسا في زمن كورونا (بورتريه)
يرفض مراد أن يلتزم بالحجر الصحي الذي أقرته الحكومة الفرنسية، مع انتشار وباء كورونا بالبلاد، لكن رفضه هذا ليس نابعا من رغبته في عصيان الأوامر وقرارات الدولة الفرنسية، بل نابع من حس إنساني ووطني كبير، كما حدثنا في حوار له مع “شمالي”.
فمراد لهبيل المغربي الذي ينحدر من مدينة طنجة، والذي أمضى قرابة العشرين سنة في فرنسا، بداية كطالب يتابع دارسته في مجال الحلاقة، قبل أن يقرر الإستقرار بالديار الفرنسية، سيجد نفسه مثله مثل أي شخص آخر في هذا العالم، محكوما بمجموعة من التدابير الإستثنائية التي اتخذتها السلطات الفرنسية للحد من انتشار فيروس كورونا، والتي تقيد حركة الإنسان وتمنعه من التنقل كثيرا داخل المدن، في بلد نهشه الفيروس، ودفعه للدخول في “حالة حرب” كما وصفها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في خطابه الموجه للشعب يوم 16 مارس الماضي، حيث تأتي فرنسا رابعة بين دول العالم من حيث عدد الإصابات، وخامسة من حيث عدد الوفايات.
الإصرار من أجل خدمة الغير
“أنا شاب كثير النشاط، كثير الحركة، ليس من عادتي أن أجلس في البيت كثيرا، وأن أكون إنسانا غير نافع لشيء”.
بهذه العبارات البسيطة وصف مراد جزءا من شخصيته، ففي حركته الدائمة ونشاطه المتواصل، يجد إبن منطقة “غويا” راحته وهوايته، لذلك، فإن الرجل الأربعيني، سيتلقى اتصالا مفاجئا من طرف مديرة مستشفى البلدة الصغيرة حيث يقطن في ضواحي العاصمة باريس، تسأله المديرة إن كان بوسعه التطوع والحلاقة للأطر الطبية من الممرضين والأطباء الذين يعملون بشكل متواصل خلال هذه الأزمة، وهو الأمر الذي لم يكن مراد ليرفضه بأي حال من الأحوال، حيث قبل على الفور أن يتطوع وينخرط بطريقته الخاصة في مكافحة الفيروس، ويكون عونا للأطر الطبية في مهمتها الشاقة هذه.
العمل التطوعي الذي قرر مراد خوضه لم يكن سهلا على الإطلاق، فرغم تأكيده على أن حالة الطوارئ المفروضة بفرنسا، لا تشكل له أية عوائق في تنقله من مقر سكناه إلى المستشفى، مع امتلاكه للورقة التي تلزم بها الحكومة الفرنسية المواطنين المغادرين لمنازلهم لإثبات سبب خروجهم، وامتلاكه لورقة أخرى موقعة من إدارة المستشفى الذي يذهب إليه، والتي تسهل عملية تنقله، فإن طبيعة المهمة التطوعية التي قرر خوضها، والتي تتعلق بالاحتكاك بخط الدفاع الأول ضد الفيروس، تجعل هذا العمل صعبا ومليئا بالمخاطر.
ولذلك فإنه وقبل بداية عملية الحلاقة للأطباء والعاملين بالمستشفى، فإن مراد وبتوجيه من الجهاز الطبي، يقوم بالعديد من الإجراءات الإحترازية الصارمة التي من شأنها أن تمنعه من حمل الفيروس، كتحديد نوع المعدات التي سيشتغل بها، بما فيها الملابس الوقائية التي سيرتديها، والمعقمات التي ينبغي استعملها، والمكان الذي سيقوم فيه بعملية الحلاقة، والذي يكون خارج المستشفى، وهي مجموعة من العمليات تستدعي الدقة الكبيرة والحذر أثناء القيام بها.
تشريف للجالية العربية
“أقوم بهذا العمل منذ أزيد من شهر، بمعدل مرتين في الأسبوع، كما أنني أقصد العديد من المستشفيات للقيام بهذا التطوع”.
فمراد لم يكتفي فقط بالعمل مع طاقم مستشفى واحد فقط، بل قرر التواصل مع مستشفيات أخرى، والدوائر الأمنية بالبلدة التي يقطن بها أو في باريس، قصد القيام بهذا العمل النبيل، وهو ما يعكس الكثير من همته ونشاطه الذي لا يفتر، مع تأكيده على أن ما يقوم به إنما يفعله بمفدره دون تنسيق مع مهنيين آخرين في المجان، ودون مساعدة كائن من كان، فهذه الجائحة التي جاءت كالصدمة بالنسبة للجميع، وشلت حركة الأفراد فعليا، حذت بالكثيرين نحو تفضيل الإنعزال على الناس، وحذت حتى بالعاملين في مجالات التطوع لإيقاف الكثير من أعمالهم، في وقت قرر فيه مراد خوض غمار التطوع في هذا الوقت العسير.
بكثير من الجد والعفوية يرسم مراد، الشاب العربي صورة المواطن الجاد المسؤول المؤمن بدوره في تغيير الكثير من الأشياء السلبية التي فرضتها الجائحة، والعديد من المفاهيم السلبية المتراكمة في عقول شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي حول الجاليات المقيمة هناك، في بلد يعاني بشدة من الأصوات القبيحة التي تتعالى يوما بعد يوم بقيادة اليمين المتطرف، الذي يستقطب كل سنة داعمين جدد من الفرنسيين، ويأخذ له مساحات مهمة في أروقة السياسة الفرنسية مع كل استحقاق انتخابي تعيشه البلاد، وهو تحد يخوضه هذا الشاب دون وعي منه، لكنه يبلي فيه البلاء الحسن دون شك، ويكسب به الكثير من النقاط والاحترام لصالح هذه الجاليات.