سلايدر الرئيسيةطنجة أصيلةكوكتيل
زيارة الملك محمد الخامس لطنجة وتطوان.. خطابان تاريخيان للمطالبة بالاستقلال وتكريس الوحدة الترابية للمملكة (صور)
يخلد الشعـب المغربي، ومعه نسـاء ورجال الحركـة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحريـر، غدا الخميس ، الذكـرى 73 للزيارة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مدينة طنجة في 9 أبريل 1947، والذكرى 64 للرحلة الملكية الميمونة التي قام بها جلالته طيب الله ثراه إلى مدينة تطوان في 9 أبريل 1956، اللتين تشكلان منعطفا تاريخيا في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال.
ويشكل الاحتفال بهذه الذكرى الطافحة بالدلالات والعبر بالنسبة للأجيال القادمة، مناسبة لتخليد خطابين تاريخيين ألقاهما جلالة المغفور له محمد الخامس، كان الفارق بينهما تسع سنوات، تعكس مسارا طويلا من النضال للمطالبة الواضحة بالاستقلال وتكريس الوحدة الترابية للمملكة.
وبالفعل، شكلت الزيارة الملكية الميمونة إلى طنجة منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل نيل الحرية والاستقلال واسترجاع الوحدة الترابية، لكونها شكلت حدا فاصلا بين عهد الصراع بين القصر الملكي، ومعه طلائع الحركة الوطنية، وبين إدارة الإقامة العامة للحماية الفرنسية، وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية.
ولم يأت اختيار مدينة طنجة للقيام بهذا العمل الشجاع من فراغ، على اعتبار أن بطل التحرير الذي كان مرفوقا بجلالة المغفور له الحسن الثاني الذي كان حينها وليا للعهد وصاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة، استفاد من “الوضع الدولي” لمدينة طنجة خلال تلك الحقبة، لإعطاء بعد دولي للقضية الوطنية.
وما أن علمت سلطات الاحتلال بتأثيرات الزيارة الميمونة لبطل التحرير لطنجة حتى أقدمت قبل يومين من الزيارة على ارتكاب مجزرة شنيعة بمدينة الدار البيضاء يوم 7 أبريل 1947 راح ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء، في مسعى منها إلى منع زعيم الحركة الوطنية المغفور له محمد الخامس من القيام بزيارة ذات دلالات كبيرة لمدينة البوغاز.
وبعدما قام جلالته طيب الله ثراه بزيارة عائلات الضحايا ومواساتها، توجه على متن القطار الملكي نحو طنجة التي خصصت له استقبالا حارا وحماسيا رائعا وسط حشد جماهيري عظيم.
وفي فناء حدائق المندوبية بطنجة وبحضور ممثلين عن الدول الأجنبية وهيأة إدارة المنطقة وشخصيات عدة، عبر جلالة المغفور له محمد الخامس بوضوح ودون غموض عن إرادة الشعب المغربي استرجاع استقلاله ووحدتها الترابية.
ومن خلال هذا العمل البطولي الذي تحدى القوى الاستعمارية القائمة، أعطى جلالة المغفور له للشعب المغربي الذي في تلاحم تام مع الحركة الوطنية حول العرش، شحنة ودفعة قوية في كفاحه من أجل نيل الاستقلال وكسر شوكة الاحتلال.
وأكد محرر الأمة أمام ممثلي الدول الأجنبية والساكنة المحلية، بلهجة قوية وحازمة، “إن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع “.
وبعد مرور نحو عقد على هذا الخطاب الحامل للأمل والعزيمة الذي ألقاه جلالته خلال زيارته الميمونة لمدينة طنجة، عاد جلالة المغفور له في 9 أبريل من سنة 1956 بمنطقة الشمال وهذه المرة بمدينة تطوان ليزف منها للمغاربة بشرى استقلال الأقاليم الشمالية وتوحيد شمال المملكة بجنوبها.
وجاءت هذه الزيارة، التي كانت بدورها تاريخية، عندما كان جلالته عائدا من اسبانيا بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال الوحدة الترابية للمملكة، والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956 التي تعترف بموجبها دولة اسبانيا باستقلال المغرب وسيادته التامة على كافة أجزائه.
ويشكل الاحتفال بهاتين الزيارتين التاريخيتين مناسبة لإبراز الملاحم البطولية التي ستظل راسخة وعالقة في ذاكرة التاريخ المغربي، والإشادة بنضالات المقاومين الذين ساهموا بكل تفان وإخلاص في دحر قوى الاحتلال وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
كما تشكل هذه الذكرى مناسبة لحث الشعب المغربي على مضاعفة الجهود للاضطلاع بواجباته تجاه الوطن، وتعزيز روح المواطنة المتجذرة في تاريخ وهوية المغرب من أجل استشراف المستقبل بتفاؤل والتعلق بالقيم المقدسة للأمة.
و لقد كان لنبأ حلول المغفور له محمد الخامس بتطوان وقع خاص و عظيم على نفوس سكان مدينة تطوان التي كانت طيلة فترة الحماية ملاذا و ملجأ لحماية المواطنين و الفدائيين و مجالا خصبا لنشاط وطني عظيم و قاعدة للإتصالات التي كانت يجريها الوطنيون المغاربة فيما بينهم سواء لدعم حركة المقاومة أو لتكوين و تعزيز فرق جيش التحرير و إمداد رجاله بما يحتاجونه من ذخيرة و عتاد .
لقد اختار بطل التحرير و محرر البلاد مدينة تطوان لتكون المكان التاريخي لإعلان وحدة شمال المغرب بجنوبه نظرا لمكانتها و دورها البارز في إذكاء ملحمة ثورة الملك و الشعب و لا أدل على ذلك مما جاء في الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله يوم الجمعة 9 أبريل 1944 إلى المشاركين في الإحتفال بذكرى خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه بمدينة تطوان حين قال ” إن مدينة تطوان الغالية بما شهدته من أحداث جسام ، و ما احتضنته من لقاءات تاريخية ، و ما قدمته لحركة المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي من دعم ، لتعد بحق من الحواضر التاريخية الكبرى التي يحق لنا أن نعتز بها على مر العصور و الأحقاب ، فقد كانت الملاذ الأرحب ، و المزود السخي بالمال و السلاح و الرجال ، و القاعدة الراسية للتخطيط و التدبير و المركز و المنطلق لتكوين جيش التحرير ” .
و إن المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير و هي تستعيد الرسائل البليغة و الإشارات القوية للحدث التاريخية الخالد للزيارة المولوية السامية إلى مدينة تطوان ، فلتقديرها و اعتبارها لهذه الحلقة من العقد الذهبي من مآثر الوطن و محاسنه التي يجمل بنا الإعتزاز بها و التماهي بنضالاتها الوافرة و بثمارها المجدية في مسار التحرير و الإستقلال و الوحدة .
و عسى أن نكون بهذه الكلمة قد أدينا واجب الذاكرة و التواصل معها تاريخيا و ثقافيا و حسيا و قيميا و أيضا واجب الوفاء و البرور و العرفان في حق حدث تاريخي وطني يجدر إبرازه و تثمينه بمناسبة حلول ذكراه و الإحتفاء به بسمو رمزيته و عمق دلالاته ماضيا و حاضرا و مستقبلا .