سياسةكلمة شمالي

تحليل.. المصباح يعانق الجرار بعد فك عقدة “إلياس” وانتقادات داخلية وخارجية

بذهول كبير تلقى الرأي العام نبأ التحالف المفاجئ بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، في مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، ضمن خليط حزبي أكبر، اختلطت فيه الألوان السياسية، كأنما هي عجينة يلهو طفل عابث بها فيخلطها من غير اكتراث، وتداخلت فيه الرموز الحزبية، فشكلت مسخا لا يعرف وجهه من قفاه، ولا يعلم إن كان حيا أم من الميتين.
وهكذا، وبقدرة قادر، وبعد أسبوع من بيان لحزب المصباح، يهاجم فيه تحالف الأحزاب في مجلس الجهة، والخلطة الهجينة التي تحكم منطق التسيير فيها، قرر هذا الحزب دون سابق إنذار أن يسحب مرشحه لرئاسة الجهة، خلفا للمستقيل إلياس العماري، ويدعم خليفته التي اختارها لتكمل مسيرته إلى غاية الانتخابات المقبلة بعد سنتين.

الصدمة لم تنل من الرأي العام كثيرا، في ظل سيرورة تحالفات المصباح منذ سنوات، والتي تلاشت فيها الخطوط الحمراء، حتى أضحت وشما قديما يرى أثره ولا يفهم له معنى ولا داع، بقدر ما نالت تلك الصدمة من قيادات وأعضاء المصباح أنفسهم، وهم يتابعون شعلته التي نضب زيتها، تكاد تنطفئ عند أي نسيم يهب، وهم يدركون أن لا طاقة لها بالعواصف الآتية، خصوصا سنة 2021.
ومع بروز تساؤلات حول مدى قبول الأمانة العامة للبيجيدي بهذا القرار ، وهي التي حلت أحد فروعها الأنشط لسبب مماثل، ويتعلق الأمر بوجدة، خرج ثلاثة من أعضاء الأمانة العامة ( محمد أمحجور، عبد الصمد الإدريسي، عبد العزيز أفتاتي) مستنكرين لهذه الخطوة، مما يؤشر على أن الأمر لم يحظ بمناقشة داخل قيادة الحزب، ويرجح أن يكون النقاش تم على المستوى الجهوي، وعليه اعتمد قرار التحالف.
غير أن تدوينة مطولة لنائب الكاتب الجهوي، البرلماني محمد خيي، كشفت عن تهريب النقاش من داخل المؤسسات إلى أروقة أخرى لا يعلم دواليبها إلا الله والراسخون في العلم، إذ أكد أن الأمانة العامة لم تعقد بعد بيانها الرافض لهذا التحالف أي اجتماع، غير أنها فوضت الكاتب الجهوي وعمدة طنجة مهمة إجراء المشاورات.
لكن هذا التفويض استخدم على غير ما كان متوقعا منه، وبلغ حد إبرام تحالف مع “التحكم” و”الفساد” و”الاستبداد”، وكل تلك المصطلحات الرنانة والكلام الكبير، يزكي رئاسة البام للجهة، ويعطي للبيجيدي حصة من كعكة التسيير، في ما بقي من عمر المجلس الجهوي، وهو ما ساق حوله البرلماني خيي مؤاخذات أخلاقية وسياسية وتدبيرية، توضح فساد الرأي المساند للتحالف الذي اصبح واقعا.
المساندون لهذا التحالف يدعمون رأيهم بأن زوال شخص إلياس العماري يمثل زوالا لمفهوم “التحكم” الذي كان يمثله الرجل، لكن معطيات أخرى تفيد بأن التحكم لم يبتعد كثيرا عن المشهد، فمفاوضات الساعات الأخيرة التي قادها رجل الجرار الأقوى في الشمال، محمد الإدريسي، هي من أقنعت العبدلاوي بإقناع الكاتب الجهوي والآخرين بدخول التحالف، وهي من أسكتت صوت الاعتراض الصارخ الذي ظل رجل حزب الحمامة البارز محمد بوهريز يبديه حتى الرمق الأخير.
الخلاصة التي يخرج بها المتابع لشؤون السياسة في جهة الشمال، هي أن تيار التماهي والذوبان داخل حزب العدالة والتنمية اكتسب أخيرا القدرة على الهيمنة على القرار الحزبي، فهذا التيار كان موجودا دائما، وسعى منذ الانتخابات الجهوية لشرعنة التحالف مع “التحكم”، ولم يكن له ذلك وقتها، لكنه أصبح اليوم أقوى وأوسع نفوذا، فكان له ما أراد.
هذا التيار اختار بمحض إرادته أن يتحول إلى مسحوق لتجميل وجه البام المحروق، في الأمتار الأخيرة من السباق السياسي، وإعطائه قبلة الحياة، بوعي أو بدونه.
وتحقيق مراد هذا التيار جاء من أحد طريقين، فإما أنه كان قرارا مؤسساتيا توافق عليه مصباح الشمال، وإما أنه قرار جاء على غير مراد المؤسسات والمناضلين. وإذا كان التحالف جاء من الطريق الأول فتلك مصيبة، أما إن كان قد مر عبر الطريق الثاني فإن المصيبة أعظم.

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق