مقالات الرأي

لماذا أنت لصوص ؟

فاجأتني السيدة القادمة من بلاد الصين بهذا السؤال الغريب الذي لم أفهمه بادئ الأمر، بعدما اجتهد صديقي المغربي وقرر أن يخبر الصينيين الذين حلوا ضيوفا على مدينتي طنجة، وساقتنا الأقدار وإياهم إلى جلسة خاصة، بأنني غادرت السجن قبل بضعة أسابيع.
لماذا أنت لصوص؟
أعادت الصينية التي تتحدث العربية بهاته التركيبة العجيبة، ولا لوم عليها في ذلك. واستطعت بعدما كررت سؤالها أن أفك طلاسمه، وأفهم أنها تستفسر عن السبب الذي من أجله أصبحت لصا، ووضعت بذلك قدمي على طريق السجن.
الصينية المسكينة لم تتخيل سببا آخر قد يسوقني إلى السجن غير أن أكون لصا، ربما لأن السجون في الصين بنيت من أجل اللصوص فقط، فسرقة قوت وجهد وعرق الآخرين يبدو السبب المنطقي الأبرز لاستحقاق عقوبة السجن.
على وجهي ارتسمت ابتسامة بلهاء، أما داخل رأسي فكانت فكرتان تتصارعان، هل أخبر الصينية أنني لست “لصوص”، وأن السبب الذي من أجله حرمت من حريتي 8 أشهر كاملات لا يتعلق بالسرقة، وإنما باعتقال سياسي من ألفه إلى يائه، وبأنني لا أمثل في القضية بأكملها سوى عامل ثانوي جدا، وربما ثالثي أو عاشري لو صح التعبير، هل أخبارها بالحقيقة وأقدم أمام ضيوف المغرب تلك الصورة المنفرة عن بلادي التي وإن جارت علي تبقى عزيزة؟ أم أداري وأواري، وأقبل على نفسي صفة “لصوص”، ثم إن قبلت الثانية، كيف أجيب على السؤال العجيب: لماذا أنا لصوص؟!
في ثانيتين أو ثلاث فكرت وقدرت وقررت، قررت أن تهمة مصنوعة في بلاد الصين، حيث يصنع كل شيء، أفضل لي أمام ضيوف مدينتي أصحاب العيون الضيقة، من تهمة تحمل طابع “صنع في المغرب”، ألصقها بي بنو جلدتي، أصحاب العيون الواسعة، التي ترى ما لا يراه الناس.
وبيني وبين نفسي تأملت السؤال العجيب مرة أخرى: “لماذا أنت لصوص؟!”، ربما يحتاج بعض التعديلات، ربما تعديل واحد صغير يكفي: “لماذا أنت؟ لصوص!”
لماذا أنا؟ لماذا سرق اللصوص 88 أشهر من عمري؟ نعم، هكذا كان يجب أنت تتحدث الصينية.. تسأل لماذا أنت، وتتوقف، ثم تضيف بتعجب: لصوص!

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق