مقالات الرأي

الانتقادات الموجهة للبنوك الإسلامية

عمر الهوان أستاذ وباحث في سلك الدكتوراه

بسم الله الرحمان الرحيم ،الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه.

وبعد:

فلم يكن الغزو الخارجي في القرون الأخيرة محصورا في الغزو العسكري، والاحتلال والاستعمار للعالم الإسلامي فحسب بل كان الأخطر منه الغزو الفكري الذي مهد لهذا الاحتلال ثم صحبه،ثم أصل لبقائه من خلال تطبيق القوانين والأنظمة الغربية التي حملها معها الاستعمار نفسه،لذلك كان من نتائج ذلك إبعاد الشريعة الإسلامية عن مفاصل الحياة ،وساحات الحركة،وبخاصة ساحة القوانين المدنية والتجارية والاقتصادية.

ومن هنا طبق النظام الربوي على البلاد الإسلامية وأصبح الأساس للتعامل اليومي،حتى أطلق شعار ((لا اقتصاد بدون بنوك،ولا بنوك بدون فوائد)) .

وحاولوا أصحاب هذا الفكر أن يجعلوا ذلك من باب الحتميات التاريخية التي لا تحتمل التعديل أو التغيير،أو التبديل؛ولذلك طبق على العالم الإسلامي على الرغم من معارضته من قبل بعض العلماء ،وعامة الناس.

غير أن الصحوة الإسلامية المباركة بدأت منذ أوساط القرن العشرين حرَكت الجماهير مرة أخرى للعودة إلى منبعها الأصيل،وإلى دستورها القويم الكامل (القرآن )الذي جاء فيه :{لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد} فصلت :42.

ولذلك كانت حركة العلماء والمفكرين تزداد نحو رفض المشروع الغربي الذي كان النظام الربوي من أهم معالمه.

وبما أن منهج الإسلام في العلاج هو إيجاد البدائل قبل التحريم كما في آية الربا نفسها :{وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة :275،اتجهت جهود العلماء وأصحاب المال نحو إيجاد البدائل الإسلامية في مجال الربا فكانت البنوك الإسلامية التي بدأت أولى ثمارها الناجحة :بنك دبي الإسلامي عام 1975 ،وبنك التنمية الإسلامي ،ثم بقية البنوك التي وصلت اليوم إلى مئات البنوك وآلاف الفروع،وبلغت استثماراتها مئات المليارات من الدولارات .

لا شك أن البنوك الإسلامية في العديد من الدول  تعيش حالة ازدهار وانتشار، ولا شك أنّ جهودًا جبّارة بُذلت للوصول بالمصارف الإسلامية إلى هذا المستوى، ولكن هناك عدة انتقادات لهذه المصارف، ينبغي الوقوف عندها، وعلى القائمين على المصارف أن يستمعوا لها.

فلا يصح أن يُختزل هذا العنوان العريض:(بنك إسلامي) بمجرد تحويل المعاملة المحرمة إلى معاملة مشروعة، كلا؛ فالبنك أو المصرف الإسلامي ينبغي أن يكون له دوره الإستراتيجي الهام في تقديم النموذج الإسلامي بمعناه العريض والواسع، سواء أكان ذلك من خلال إشراك المواطن في تعاملات إسلامية حقيقية، تجني له أرباحًا مجدية- غير مضمونة- بأسلوب المضاربة، أو الاستصناع…، فترفع من مستوى دخله، وتخفّف عليه من لهيب الغلاء، أو كان ذلك من خلال بناء أوقاف خيرية يستفيد منها أصحاب الدخل المحدود، أو من خلال بناء مراكز طبية يستفيد منها مرضى الكلى، أو السرطان، أو التوحّد…الخ، أو حتى من خلال تقديم قروض حسنة لمن ظهرت حاجته الملحة بالأمارات والقرائن، أو من خلال توسيع دائرة (الإسلامي) لتشمل المنفعة والتنمية كل أفراد المجتمع، وذلك ببناء مراكز علمية أو بحثية..الخ،

وبهذا تستطيع هذه البنوك الإسلامية أن تفخر بانتمائها الإسلامي وهي مرفوعة الرأس، وأن تقدم نموذجًا حسنًا، يُقتدى به في سائر أقطار العالم، لا أن تقدم نموذجًا ماديًا صرفًا، أو أن تقدم نموذجًا تقليديًا وتكسوه لباسًا إسلاميًا.

 

ومن أهم الانتقادات الموجهة للبنوك الإسلامية نجد ما يلي:

أن منتجاتها ابتعدت عن تحقيق مقاصد الشريعة الأمر الذي أفقدها المصداقية. ويشير بعض الخبراء الاقتصاديين أن دخول المؤسسات العالمية (الرأسمالية) مجال الصيرفة الإسلامية فرّغ هذه الصناعة من قيمها وحوّلها إلى هياكل إسلامية بعيدًا عن مقاصدها الشرعية، وأصبحت صناعة مالية رأسمالية بثوبٍ إسلامي.

ومن الانتقادات الموجهة أن البنوك الإسلامية تتسابق نحو تحقيق الأرباح الفاحشة مستغلة حاجة الناس إلى مؤسسات شرعية تضمن لهم عدم الوقوع في المعاملات المحرمة، وهناك تضجّر من كثير من عملاء هذه البنوك من هذا الاستغلال الفاحش، بحيث إذا قارنّا بين ما تأخذه البنوك التقليدية وما تأخذه البنوك الإسلامية نجد الفرق كبيرًا، فهل هذا يتفق مع مقاصد الشريعة من الرحمة والتوسيع والتخفيف على الناس؟!

ومن المآخذ أيضًا أن هذه البنوك تركّز على التمويل الاستهلاكي الفردي مبتعدة عن تمويل المشاريع التي تنفع المجتمع والمشاريع الحضارية التي تساهم في تنمية  وتقدم المجتمع.

 

وهناك انتقادات كثيرة توجه لطبيعة المعاملات التي تقوم بها تلك البنوك الإسلامية، وثمة من يشكك في شرعية بعض تلك المعاملات، فهي في المحصلة النهائية لا تختلف كثيرا عن المعاملات البنكية التقليدية المعروفة.

وهناك من يشتد في نقده قائلا: “لقد استغلت بعض تلك البنوك صفة الإسلامية، سعيا منها لجذب رؤوس أموال كبيرة”
الكثير  من الباحثين يجدون أن البنوك الإسلامية كغيرها من البنوك التقليدية التي يغلب عليها جانب الربح المادي السريع دون تقيدها التام بأحكام الشريعة ومقاصدها

و أن البنوك الإسلامية تقوم في مبدئها الكلي على التجارة (بيع، مضاربة، مشاركة، إجارة، مزارعة، مرابحة، استصناع..”، أما البنوك الربوية فمبدؤها يقوم على إقراض المال واقتراضه فقط وبالتالي أي تنمية اجتماعية نتحدث.
أحد العاملين في البنوك الإسلامية  بالخليج أوضح لي بأنه من الناحية النظرية التأصيلية ثمة قواعد وقوانين تكيف تلك المعاملات تكييفا شرعيا سائغا، لكن المخالفات تقع في مجال التطبيق العملي، وتختلف من بنك لآخر.

وهناك تهاون البنوك الإسلامية بالمعايير والضوابط الشرعية، كإجراء العقود الصورية، وعدم قبض البضاعة حال شرائها وبيعها، وتورط بعض البنوك بالتورق المنظم، كتلك البنوك التي تقرض العميل مالا نقديا تحت ذريعة شراء زيت نخيل وبيعه في ماليزيا أو غيرها، وهي قضية صورية تدخل في باب الاحتيال، وتتنافى مع أصول المعاملات الإسلامية الشرعية الصحيحة.
وأكد الباحث الشرعي المصري، الدكتور علي ونيس أننا نجد بعض البنوك التي تظهر الشعار الإسلامي، تلتزم من ناحية لوائح سير العمل بها بالشريعة الإسلامية نظريا، أما من الناحية التطبيقية فنجد أنها تخالف هذا المنهج التنظيري مخالفة تخرج العمل عن كونه إسلاميا.

ومن الأخطاء التي تقع في معاملات البنوك الإسلامية، أنها تخالف قرارات المجامع الفقهية الإسلامية، والتي يفترض أنها بالضرورة تنظم عمل المؤسسات المالية الإسلامية، مشيرا إلى أن بعض البنوك الإسلامية لا تمارس البيع بشكل واقعي، بل صوري، وتتعامل في الأسواق الدولية على ذلك الأساس، وهو أمر حرمته مجامع فقهية كثيرة، لكن البنوك لا تزال تمارسه
لا زالت تحديات الالتزام التام بشرعية المعاملات البنكية في البنوك التي تحمل صفة الإسلامية قائمة، فثمة مخالفات شرعية واضحة، وأخرى تدخل في باب التحايل الشرعي المكشوف، مع تفاوتها بطبيعة الحال من بنك لآخر، لكن ظاهرة البنوك الإسلامية -على ما يعتريها من خلل ومخالفات- خففت من وطأة الربا الصريح عن كاهل عامة المسلمين المتدينين .

ويعتبر بنك ” أمنية بنك ” ثمرة شراكة بين القرض العقاري و السياحي و بنك قطر الدولي الإسلامي، أول بنك تشاركي يحصل على الترخيص من طرف البنك المركزي لمباشرة أنشطته في المغرب.

وأمام موجة هذه الانتقادات الموجهة للبنوك الإسلامية نطرح التساؤل هنا: كيف ستعمل البنوك التشاركية  في المغرب والتي تعمل وفقا للقانون من تقريب رؤيتها  إلى زبنائها المغاربة علما أن هدف البنك بالأساس هو تحقيق الأرباح لا غير ؟

المراجع :

دكتور أشرف محمد دوابه -كتاب “فوائد البنوك –مبررات وتساؤلات-“دار النشر:دار السلام الطبعة الأولى 2008

http://www.islamtoday.net/موقع:

http://arabi21.com/موقع:

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق