سياسة
يوسف بنجلون يبرز أدوار غرفة الصيد البحري المتوسطية لتحقيق مطالب المهنيين بالحسيمة
سبعة أشهر من الاحتجاجات مرت على حراك الحسيمة، ولا أحد تجاسر على طرح السؤال: لماذا لم يشارك قطاع الصيد البحري في هذه الفعاليات؟ ولماذا لم ينخرط ميناء الحسيمة بهيئاته المهنية المختلفة في قلب هذا الحراك؟ مع أن الجميع يدرك أن الشرارة الأولى التي أطلقت هذا الحراك هي حادثة مقتل محسن فكري وما يرتبط بها من إشكالات تخص طرق تدبير مندوب الصيد البحري في الحسيمة وقتها للعديد من الملفات.
نعم لم يطرح هذا السؤال، لكن للإنصاف فثمة عدد من الصحفيين والإعلاميين النبهاء من تفطن إلى الربح الكبير الذي جناه قطاع الصيد البحري من وراء اندلاع الحراك، وكتب بعضهم يقول بأن الرابح الأكبر من الحراك هو قطاع الصيد البحري.
بين السؤال الذي لم يطرح، ونباهة هؤلاء الإعلاميين الذين تفطنوا للكسب الكبير الذي تحقق لقطاع الصيد البحري في المنطقة غذاة انطلاق الحراك مسافة زمنية رمادية لا يعرف الكثير ما الخطوات التي قامت بها غرفة الصيد البحري المتوسطية والهيئات المهنية الشريكة في فتح حوار مع القطاع الوصي لتدارك جوانب النقص الخطيرة التي كان بعضها السبب في حادث مقتل محسن فكري رحمه الله.
لقد ظللنا لمدة طويلة -ربما تعدت أكثر من خمس سنوات- وفي حوارات صحفية منشورة ومثبتة في عدد من الصحف الوطنية، نؤكد على الاختلالات التي يعاني منها قطاع الصيد البحري في المنطقة، وقلنا وقتها كلاما صريحا في الوضعية الهشة التي تعرفها المنطقة، والحيف الذي تتعرض له من جراء إلحاقها بمناطق أخرى لها خصائصها البحرية والمناخية، وتحدثنا بالفصيح والصريح عن الآثار السلبية التي يمكن أن تنشأ من جراء إبقاء الوضع على حاله، ووضعنا الأصبع أكثر من مرة على الحيف الذي لحق المنطقة المتوسطية من جراء تطبيق راحة بيولوجية تم اعتمادها بناء على دراسات وعينات تمت في منقطة المحيط الأطلسي وفي الأقاليم الجنوبية، وتحدثنا عن مشكلة النيكرو التي يتعرض لشباك المهنيين ويعرضها للإتلاف، كما نبهنا الوزارة إلى مخاطر ظاهرة الصيد بالبارود في بعض مناطف الريف وتحديدا الناضور، وسلطنا الضوء بالمباشر على واقع الهشاشة الذي يعرفه العديد من المهنيين بالمنطقة من جراء تراجع الثروة السمكية وضعف كوطا التونيات المخصصة للصيد التقليدي والساحلي.
ما قلناه مثبت في حوارات منشورة، كان لبعضها أثر إيجابي، كما كان للبعض الآخر كلفة تحملنا فيها أضرارا ليس اليوم أوان كشفها، إلى درجة أن البعض وقتها كان يصورنا كما ولو كنا دنكيشوتا يقاوم طواحين الهواء لتحقيق المستحيل في منطقة لا يتحدث عنها الكثير.
لكن، مع حادثة محسن فكري، صدق تقديرنا، بل صدقت تخوفاتنا التي كنا ننبه عليها ويحسبها البعض على أنها كانت مجرد مزايدات…..
حصل ما حصل، لكننا في غمرة اللحظة الحزينة نأينا عن أي لغة للمزايدة ولننصب أنفسنا لتلقين الدروس وتوجيه اللوم والعتاب للآخرين، وقلنا إن مصلحة الوطن في نزع فتيل الاحتقان والتوتر والتحرك بإيجابية لتطويق المشكل والحديث بالصراحة المعهودة، فنزلنا إلى الحسيمة في الرابع من نونبر2016، وفتحنا الحوار المسؤول مع الهيئات المهنية، وتحملنا مسؤولية الحوار مع القطاع الوصي لاستعراض ملف مطلبي طويل عريض، لم نسأم فيه من الدفاع المستميت على مصالح الفئات الهشة والفقيرة.
كانت اللحظة مفصلية، بقدر ما كانت تحتم التهدئة ونزع فتيل الاحتقان، بقدر ما كانت تتطلب الجدية والصبر والإلحاح لحل مشاكل المهنيين بكل تفان بعيدا عن أي مزايدة. وكانت استجابة القطاع الوصي في أحسن الصور، لأنه أدرك أن مصلحة الوطن تقتضي الإنصات والمبادرة والتفاعل السريع.
لم يكن أحد يتصور أن مشاكل القطاع في المنطقة المتوسطية، والتي تختصرها مطالب الهيئات المهنية ستجد حلها السريع، وستجد تفهما عميقا من القطاع الوصي.
ماذا كان يريد مهينو القطاع؟ هل كان قطاع الصيد التقليدي والساحلي يريد أكثر من توسيع كوطا التونيات بعد أن ظلت الكوطا محصورة في 147 طن؟ هل كان القطاع يريد أكثر من العدالة في تنزيل الراحة البيولوجية الخاصة بصيد الاخطبوط واعتماد المعايير العلمية التي تحترم خصائص المنطقة المناخية والبحرية؟ وهل كانوا يريدون أكثر من منح الرخص لمعضلة ما يعرف بالمنبارات؟ وهل كان بعض المهنيين ينتظرون أكثر من تسوية بعض المشاكل الخاصة ببعض القوارب أو تسوية وضعية التقاعد بالنسبة للمسنين منهم أو وقف القضايا المتعلقة ببعض القوارب في المحاكم وإعفاؤها من الغرامات؟ وهل كانوا ينتظرون أكثر من تزويد القوارب بالوقود في الميناء؟
كل هذه المطالب العادلة والتي كانت ترمي في جوهرها إلى رفع حالة الهشاشة التي بدأت تستبد بشرائح عديدة من المهنيين، تم حلها قبل اندلاع شرارة الحراك، وبالتحديد لحظة مقتل محسن فكري.
ربما كنت أمثل الحالة النشاز الإيجابي في الاجتماع الذي دعانا إليه رئيس الحكومة على خلفية التعليمات الملكية للاهتمام بالحسيمة والتخفيف من الاحتقان الذي عرفته المنطقة بسبب الحراك، لقد كان الجميع يتحدث عن مشاكل التعليم والصحة وتوقف الاستثمارات ووضعية الطرق والتجهيز وتوقف مسار التنمية، وكنت الوحيد الذي تحدث عن نجاح القطاع في حل كل مشكلاته، وعدم تأثر نشاطه بتداعيات الحراك. فالمهنيون بعد تسوية كل مشاكلهم كانوا يشتغلون بكل أريحية ولا يرون أي مبرر للانخراط في الحراك من دافع الخصاص أو الحكرة أو ما كان يشعر به غيرهم حينما يتحدثون عن مشاكل التعليم أو الصحة أو توقف وتعثر مشاريع التنمية في المنطقة.
لقد راودتني داخل الاجتماع فكرة حاولت طرحها بطريقة لطيفة، فلو بادر كل قطاع من جهته، وانتج أسلوب القرب في التفاعل السريع مع مشكلات المعنيين كما حدث في قطاع الصيد البحري ربما لتغير الوضع ولما وصلنا إلى حال التوتر والاحتقان الذي نعيشه اليوم.
لقد تحققت كل المطالب في ظرف وجيز، وكان ذلك بمثابة صمام أمان لتواصل نشاط الصيد البحري في الميناء، وربما لم يعرف المهنيون مثل الأريحية التي يعيشونها اليوم بسبب توسع كوطا التونيات وارتفاع حيف اعتماد معايير غير علمية في الراحة البيولوجية الذي كان القطاع في المنطقة المتوسطية يدفع ثمنه، وحظي القطاع بدعم مالي محترم لمواجهة معضلة النيكرو، وتم تسوية العديد من المشاكل التي كانت تعيق نشاط المهنيين ورفعت الكثير من القيود والعراقيل التي كانت تضرب قوت المهنيين في العمق.
هي لحظة للتأمل، جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، لماذا لم يوقف المهينون نشاطهم في الصيد البحري استجابة لفعاليات الحراك؟
لسبب بسيط هو أنهم نالوا ما كانوا يناضلون من اجله سنوات طويلة، ولأن غرفة الصيد البحري المتوسطية بشراكة مع مختلف المهنيين قامت بدور الوساطة التي للأسف يردد الجميع اليوم بأن غيابها كان سببا فيما يحدث.
لقد مثلت غرفة الصيد البحري المتوسطية الوساطة ذات المصداقية التي بادرت لاحتواء الموقف والدفاع عن الفئات الهشة وعرض مشاكل القطاع من غير تمييز ولا محاباة ولا مزايدة ولا خدمة مصالح فئوية ضيقة.
النتيجة كما عبر عنها بعض الإعلاميين النبهاء هو أن قطاع الصيد البحري كان الرابح الأكبر، بل كانت غرفة الصيد البحري المتوسطية هي الأخرى الرابح الأكبر بفضل الالتفاف الواسع للمهنيين عليها.
ذلك هو الدرس الذي ينبغي أن نستفيده من دور الوساطة ذات المصداقية في الوقاية من الصدمات القوية.
يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية