مقالات الرأي
خيي يكتب : خسائرنا وخسائر الوطن..
عجبت له كيف عجز عن استيعاب مغزى ما حصل ، و كيف لم يتقبل حجم كل هذا “اللغط ” كما يسميه ، و عجبت له اكثر كيف لم يفهم معنى هذه المناحة ، وهو الوصف الذي يطلقه على ردود الأفعال التي اقترفها أبناء العدالة والتنمية مؤخرا تجاه ما وقع …
وبالأحرى كان يكفيه ان يتأمل في سجل الخسائر التي قُيِّدَت في صحيفة العدالة والتنمية ، ليستنبط سر هذا التداعي في الأفكار والمشاعر بين جموع المواطنين و المناضلين والمحبين والعاطفين والمساندين وحتى المنتظرين لنجاح التجربة و فشلها على السواء، كان عليه ان يمعن النظر في طبيعة هذه الخسائر ليكتشف بيسر وبساطة ان المناصب والمقاعد و الكراسي و الامتيازات و المكافآت والجاه والوجاهة والسؤدد – و غيرها من المنافع التي تجلبها السلطة عادة في بلادنا السعيدة – لم تتأثر في شيء من خلال ما جرى وما قد يجري في الأيام القادمة ، وأن رئاسة الحكومة والوزارة والبرلمان والديوان والرئاسة و النيابة و غيرها مما تسميه انت غنائم ويخطر على بالك من الاوصاف و الأشكال لم تنقص عندنا قيد انملة ، بل قد تكون مرشحة لان تزيد …!
هذه البكائيات إذن لا ترثي خسائرنا من “الغنائم
” واستغرب شخصيا كيف فاتك هذا الامر ، فالذي سُجِّل حقيقة وصدقا بصحيفة العدالة والتنمية من خسائر لا علاقة له بذلك إطلاقا .
لقد خسر – او على الاقل هذه قناعتي الساذجة – منطق الإصلاح مساحة معتبرة ومناصرين مفترضين ، وخسر منهج الاعتدال جولة ومؤمنين ، فاعتبرنا انها خسارة محققة لنا كحزب-فكرة ، كما خسر منطق التدافع و المشاركة الإيجابية زخما ورافعة ، فاعتبرنا ان جولة من اقتراف الإصلاح واجتراح السياسة قد انتهت بما لها وعليها . وقد تنتشر بقعة الزيت أوسع من ذلك فتنتعش أكثر دعاوى المقاطعة واليأس بين أوساط الشباب والكهول ، وبين أوساط المتفائلين والمتشائمين على السواء ، ويجد العزوف السياسي والانتخابي لنفسه مسوغات وفضائل جديدة ، وتزحف على الحياة السياسية موجات برد و صقيع تهلك بذرات الحماس التي انتشرت إبّان الربيع ، وقد ينْفَضُّ الناس الذين تحلقوا حول وهج النموذج المغربي الممكن استثناء كواحة وسط الصحراء، وقد يخبو الأمل كليا في إمكانية الإصلاح ، وقد يتراجع الإيمان بإمكان الممانعة والصمود امام إعصار الواقعية والتسليم و امام الحتمية التاريخية لانتصار الاستبداد و ضرورة المصالحة تفاديا للتوتر والصراع … و مؤكد انها خسائر فادحة لمنهج الاقناع بجدوى المشاركة السياسية .
غير ان المتابع المنصف يرى في تقهقر مكانة الارادة الشعبية في تفاصيل المشهد العام و تراجع ربط المسؤولية بالمحاسبة حسب ما يقتضيه الدستور وانفراط عقد نظرية ربط نتائج صناديق الاقتراع بمسارات القرار السياسي والقرار العمومي خسارة محققة لحزب العدالة والتنمية ، كما هي بنفس الدرجة خسارة لكل الديمقراطيين والوطنيين ، و هي باختصار خسارة للوطن .
كان عليك ان تفهم ان الشعور بالاحباط لم يتولد لدى هؤلاء لان أيديهم لم تطل قسطا من كعكة الوطن ، بل ان شعورهم بالغضب كان لأجل ما يتمنونه لهذا الوطن .