سياسة
تحليل: ابن كيران أنزل السياسة من برجها العاجي.. والمغاربة صوتوا للبيجيدي لمزاجهم المعاند للمخزن
اعتبر محللون مغاربة أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في المغرب الاسبوع الماضي لم يكن مفاجئا بل جاء مناصرة للحزب الذي تعرض لضغوطات وانتقادات شديدة ولتشبت المغاربة بالمرجعية الدينية وافتقار الاحزاب السياسية الاخرى لرؤى وقيادات جديدة.
وقال المحلل السياسي والاستاذ الجامعي المغربي إدريس القصوري لرويترز “المغاربة صوتوا لحزب العدالة والتنمية ولتشبث الحزب بالمرجعية الدينية وبسبب المزاج الشعبي المعاند للسلطة والمخزن حيث تعرض الحزب ورئيسه لضغوطات كبيرة وكذلك كاريزمية الرجل ثم الفراغ السياسي لدى الاحزاب السياسية الاخرى.”
وقال القصوري إن المجتمع المغربي “الذي يتجه نحو الأسلمة وارتفاع نسب التدين” كانت له الكلمة الحاسمة.
وتعرض حزب العدالة والتنمية -الذي قاد زعيمه عبدالاله بنكيران الحكومة المنتهية ولايتها والتي بدأت في 2011 مع امتداد تأثيرات احتجاجات ما يعرف بالربيع العربي إلى المغرب- لانتقادات شديدة سواء من جانب وسائل اعلام وبعض المغاربة بسبب سياسته الاجتماعية والاقتصادية أو من خصومه السياسيين.
وأقدم الحزب على اصلاحات طالما اعتبرتها الحكومات المغربية السابقة جريئة ومستعصية كإصلاح صندوق المقاصة (الموازنة) ورفع الدعم عن بعض السلع الاساسية وكذلك اصلاح نظام التقاعد (المعاشات) ورفع سن المتقاعدين الى 63 عاما بالاضافة الى زيادة مساهمات العمال فضلا عن توسيع قاعدة الحساب وهو ما اعتبره محللون ضربة للقدرة الشرائية للمواطنين وزيادة إضعاف الطبقة الوسطى.
وقال القصوري “المغاربة صوتوا على بنكيران ليس من أجل الخبز أو التعليم أو الصحة والسكن لأنهم يعرفون أن تحقيق الرخاء في هذه الامور من سابع المستحيلات حتى إذا كان حزب العدالة والتنمية سيأتي بها فسيكون بمشقة كبيرة لأن السلطة في المغرب موزعة بين المؤسسة الملكية والحكومة وهذه الاخيرة لا تقرر في الاختيارات الاستراتيجية الكبرى.”
وفاز حزب العدالة والتنمية بمئة وخمسة وعشرين مقعدا في حين حصل منافسه حزب الأصالة والمعاصرة على 102 مقعد بينما نال حزب الاستقلال المحافظ 46 مقعدا.
ومن المستبعد أن يتمكن حزب واحد في المغرب من الفوز بأغلبية مطلقة في انتخابات البرلمان المؤلف من 395 عضوا. ويختار العاهل المغربي الذي يحتفظ بمعظم السلطات التنفيذية رئيسا للوزراء من الحزب الفائز الذي يتعين عليه تشكيل حكومة ائتلافية.
وتعرض الحزب لحملات تشهير واسعة سواء في وسائل اعلام محلية أو من خصومه السياسيين بسبب “فضائح” لبعض كوادره يمكن ادخالها في اطار حياتهم الخاصة. وقال القصوري “لمٌا أرادوا فضح الحزب بسبب قضية اخلاقية نسوا أن للمغاربة مرجعية دينية تقوم على الستر.. ففي المغرب ليست هنالك جرائم شرف.”
ويرى القصوري أن “شعبوية” بنكيران وقفشاته السياسية لعبت أيضا دورا حاسما في شعبيته.. “بن كيران أنزل السياسة من برجها العاجي إلى الارض.”
“حين يتعرض لضغوطات وإلى تقديح يأتي لينشر غسيله أمام الناس.. وحتى الكلمات التي استعملها تدخل إلى القلب. هو لم يعتمد لغة رسمية بل استعمل لغة شعبية وهنا قوته السياسية.”
وقال القصوري إن بن كيران لم يكن “شعبويا عاديا بل شعبويا جذابا.. لدينا شعبويين لكنهم ليسوا جذابين بل تتحول قفشاتهم ضدهم.”
وعبٌر القصوري عن اعتقاده أيضا بأن ميل المغاربة إلى مآزرة المظلوم كان عاملا مساعدا آخر في فوز بنكيران. وقال “المغاربة ينتصرون لمن يتعرض لصعوبات كثيرة وضغوط.. عدد من الجرائد المغربية خدمت أجندات معينة ضد حزب العدالة والتنمية لكن هل من يقرأ هذه الجرائد يصوت ..طبعا لا. الاعلام لم يعد يؤطر الناخب المغربي.”
وأضاف القصوري أن الحزب “صمد رغم الضغوطات ..المغاربة لم يدرسوا تفضيلات التصويت لأنها غير مبنية على قواعد الديمقراطية وقواعد الوعي السياسي العقلاني المبرمج على قواعد الربح والخسارة في اطار البرجماتية والمرجعية الليبرالية الغربية لأن مفهوم حقوق الانسان ومفهوم الديمقراطية والاقتصاد والسياسة.. أمور ملتبسة في ذهن المغربي.”
وأضاف قائلا “الديمقراطية في المغرب حد نشيئة وتتعرض لتعثرات وعراقيل كثيرة لا تعرف مسارها الطبيعي في التطور والارتقاء.”
أما المحلل السياسي المغربي محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية فيرى أن فوز حزب العدالة والتنمية “كان مفاجئا على المستوى العددي أما نوعيا فالحزب يتوفر على قاعدة مختارة من النخب عكس الاحزاب الاخرى التي ترتكز على الاعيان بالدرجة الاولى.”
ويرى بودن أيضا أن حزب العدالة والتنمية لم تتضرر شعبيته رغم “أنه كان في موقع تدبير الشأن العام وهو ما يرجع لاشتغاله على مخاطبة الرأي العام وعلى ارتدائه لزي متشابه فكرا وخطابا وكذلك لضعف بعض الفرقاء الحزبيين الاخرين فضلا عن الارضية التنظيمية والتواصلية الصلبة.”
وبحسب بودن فإن هذا يفسر “عدم اهتزاز الحزب أمام الانتقادات العارمة الموجهة له اثناء تدبيره للشأن العام في الولاية الاولى لأنه يتوفر على قوة تنظيمية وعوامل حاسمة في اقناع الكتلة التصويتية.”