مقالات الرأي

جمال هبوز..الإصلاحات الكبرى كالتقاعد بين الكلفة السياسية والتحكم في الخريطة السياسية

تعد السرعة  في مباشرة الإصلاحات الكبرى و المستعجلة  التي تعترض كل بلد من المقومات و المؤشرات الأساسية لقوة الدولة و نجاعة سياساتها الاقتصادية، ذلك لأن أي تأخير في هذه الإصلاحات لن يزيد الوضع إلا تفاقما و تأزما  أكبر مما هو عليه و لن يجعل هذه الإصلاحات فيما بعد إلا أكثر تكلفة لا من الناحية السياسية و لا من الناحية الاجتماعية و لا  من الناحية المالية فهو كالمرض العضال كلما  تأخر العلاج و انتشر المرض كلما صعب التداوي منه و كانت كلفته أكبر . و المغرب و كباقي دول  العالم اعترضه و ما يزال العديد من المعيقات  و المشاكل و الإكراهات  التي  تحتاج  الى إصلاحات كبرى لا مناص منها مثل صناديق التقاعد، صندوق المقاصة إصلاح القضاء، الإصلاح الضريبي الصفقات العمومية وووووو لكن من الملاحظ  و المؤسف جدا  أنه تأخر كثيرا  في مباشرة  إصلاح العديد منها  حتى أصبحت الكثير من المؤسسات العمومية  على شفى حفرة من الإفلاس أو أصبح الأمر في الكثير منها لا يحتمل أية تأخير . و يبقى الخوف من التكلفة السياسية و الاختلاف على طريقة الإصلاح و المزايدات السياسية أحد أهم  أسباب هذا التأخير.

      يعتبر إصلاح صناديق التقاعد و خصوصا الصندوق المغربي للتقاعد من ابرز التحديات الآنية   و التي تحتاج الى عمليات جراحية مستعجلة.  كما يتفق جل المحللين  الاقتصاديين و السياسيين المتتبعين لهذا الموضوع  على ان إصلاح هذا الصندوق بالضبط يعني سل شوكة كبيرة  من حلق الدولة المغربية و الذي سيهدد لا محالة استقرارها و اقتصادها مستقبلا في حالة عدم إصلاحه. و لكي نشرح الموضوع أكثر فرغم تمكن حكومة الأستاذ عبد الإله بن  كيران من التحكم الى حد كبير في المؤشرات الماكرو اقتصادية للبلد عبر خفض عجز الدولة من 7.8 في المائة في 2011 الى 4.2 في المائة في سنة 2015 و بالتالي خفض نسبة الاستدانة السنوية  إلا أن هذه الأخيرة ما تزال مرتفعة مقارنة مع مداخيل الدولة (استدانة حوالي 30  مليار درهم سنويا). لذلك فالكثير من الخبراء دقوا ناقوس الخطر بخصوص الارتفاع المتزايد للمديونية العامة للبلد و ليس المديونية السنوية و التي ترتفع سنويا ما مادام العجز السنوي موجودا.

      وبالرجوع الى موضوع  كارثة صناديق التقاعد و خصوصا الصندوق المغربي للتقاعد و الذي حسب الدراسات الاكتوارية المقدم من طرف مكتب الخبرة الفرنسي و العالمي  ACTUARIA  في 2010 و حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات 2013  و تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي 2014 وتقرير مكتب العمل الدولي،  ففي حالة عدم مباشرة الإصلاح  فستقفز مديونية الصندوق المتراكمة  في سنة  2022  الى 105.81 مليار درهم و ستصل في سنة 2023 الى 135 مليار درهم  مما يستحيل عليه نظريا الوفاء بتعهداته و التزاماته والخطير في الأمر كذلك أن هذه المديونية  ترتفع سنويا بسبب زيادة عدد المتقاعدين . و هنا فقط سنفهم معنى سل شوكة من حلق الدولة .فكيف لبلد يهدد اقتصاده و استقراره 30 مليار درهم قيمة الاستدانة السنوية لسد العجز السنوي، ان يتصرف في حالة احتاج البلد الى  40أو 50  مليار درهم إضافية  سنويا. فاحتياج استدانة المغرب  آنذاك ل حوالي 80 أو 90 مليار درهم سنويا لسد عجز ميزانية تسييره يعني ارتفاع العجز السنوي الى حدود 12 الى 15 في المائة أو رفع ميزانية الدولة من خلال التنمية لكننا سيحتاج الى نسبة نمو سنوية في حدود 15 في المائة  دون ان نذكر  ان أعلى نسبة نمو يعرفها العالم  ألان (2015)  تحققها إمبراطورية الصين بمقدار 9 في المائة. مما يعني الاستحالة على المستوى النظري.

  يطالب و ما يزال  العديد من الموظفين بعدم البدء في إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد قبل محاسبة من أوصل هذا الأخير الى حالة الإفلاس. و الحالة أن احتياطي  الصندوق المغربي للتقاعد وصل الى أوجه احتياطاته في 2014 ب 84 مليار درهم و لم يفلس و حقق اكبر ربح من خلال استثمار احتياطاته في السوق الوطنية و الخزينة العامة للبلد         ( 3.5 مليار درهم  أي 350 مليار سنتيم ) كما أن المؤسسة المخولة لها التدقيق في الاختلاسات أي المجلس الأعلى للحسابات قد اخرج تقريره في 2013 و لا يتكلم عن أية اختلاسات بالمرة فمن ستحاسب الحكومة اذا، اذا كانت أعلى سلطة قضائية في المالية العمومية قد قضت بعدم وجود أية اختلاسات بل تكلمت  عن وجود اختلالات جوهرية و عدم وجود جرأة على مباشرة إصلاحات حقيقية على المستوى البعيد. لذلك سيبقى هذا المطلب قانونيا مجرد فرقعات و مزايدات إعلامية فقط لا يقدم و لا يؤخر.

      كما تساءل آخرون عن سبب هذا الاستعجال في الإصلاح، فلأسف فالعديد منا يجهل أن الصندوق المغربي للتقاعد باحتياطه  الكبير ( 84 مليار درهم ) يعد من أكبر المستثمرين في السوق الوطنية و بدء نفاذ احتياطاته يعني فقدان السوق المغربية لسيولة و استثمارات كبيرة جدا جدا  ستؤثر بلا شك و بشكل كبير على نمو اقتصاد البلد. فرغم ان المغرب استفاد من مناخه السياسي المستقر و رفع من قيمة  استثماراته الخارجية من 24 مليار درهم في 2011 الى 40 مليار  درهم في 2015. فهذه الاستثمارات الخارجية الكبيرة مجتمعة لا تمثل حتى نصف احتياطي الصندوق المغربي للتقاعد، كما أن لاستنزاف هذا الاحتياطي  أثر كبير سلبي على أرباح  الصندوق  السنوية( 3.5مليار درهم في 2014)  في حين أن مصاريفه في تزايد مستمر سنويا.

      لكن ما يزيد الاستغراب في هذا البلد هو ان حتى التصويت على الإصلاحات أصبحت  لها حسابات سياسية ضيقة و خطيرة جدا حتى داخل نفس الحكومة فكيف يعقل أن يتطلب مثلا  مشروع دعم الأرامل  تدخل الملك مباشرة في الأمر بعد استنفاذ رئيس الحكومة لكل المحاولات . فهذا معناه أن الأحزاب تقرأ كل إصلاح بقراءة الربح و الخسارة السياسية و ليس مصلحة الوطن و المواطنين  و هو أمر خطير و خطير جدا.

    لكن تبقى هناك أسئلة كثيرة و عديدة  عالقة تطرح نفسها هنا مثل  لماذا  التأخر مثلا في إصدار مرسوم موازي يصلح او يغير او يحذف   ريع تقاعد البرلمانيين و الوزراء رغم ان رئيس الحكومة قد أرسل مذكرة الى جلالة الملك في هذا الخصوص؟. أهو راجع الى  هدم وجود توافق سياسي بين الأحزاب حول هذا الإصلاح المرتقب؟  أم انه راجع الى تكلفته السياسية الايجابية عكس إصلاح صندوق التقاعد المغربي و الذي ستستفيد منه سياسيا الحكومة في سباقها الانتخابي و خصوصا الحزب الحاكم؟ أم أن في الأمر حسابات أخرى لا نعرفها؟ أم أننا دخلنا  في منطق جديد و طريقة جديدة لمهندسي الدولة للتحكم في الخريطة السياسية  و لجم الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي كما فعلت مع الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي؟ و هل يمكن اعتبار هذا مؤشرا  على استمرار فقدان  الثقة بين الأحزاب و الملكية و أن منطق الصراع مازال موجودا  رغم  الإجماع الكبير حول الملكية  باعتبارها صمام أمان هذا البلد؟ أم ان هناك من يلعب بالنار في البلد  بهذا الخصوص؟

    و مع ذلك فأملنا كبير في أن ييسر الله لهذا البلد انتقاله الديموقراطي  بقيادة جلالة الملك و أن يمن  عليه بحكومة قادرة على رفع التحديات و تحقيق نسب نمو لما لا  ب 15 في المائة او حتى 20 في المائة ، قادرة  أن توفر لنا أمولا كبيرة تعفينا من  المساس بتقاعد الموظفين كما جاء في حوار أحد أمناء أحزاب المعارضة رغم أن العشبة و تأثيرها   لا يمكننا ان نتصور ما يمكنها أن تفعله في منطق الرجل.

       لكننا نقترح إن تمكنت الدولة بحول الله من توفير هذه المبالغ ( 40او 50 مليار درهم سنويا لسد عجز صندوق التقاعد) أن تصلح التقاعد و تضيف هذا المبلغ لأجور الموظفين خصوصا اذا علمنا ان زبادة 600 درهم لكل الموظفين العموميين لم  يكلف المالية العمومية إلا حوالي 13 مليار درهم أي أن 40 أو 50 مليار درهم كافية في  أن ترفع أجور جميع الموظفين العموميين بزيادة صافية تقارب 2500 درهم شهريا. و سيبقى الشعب  في ظل الدستور الجديد،الوحيد القادر على اتخاذ القرار الصائب و المنطقي و العقلاني باختياره السياسي في الانتخابات التشريعية المقبلة و هو الوحيد من سيتحمل مسؤولية اختياراته في جميع الاحوال.

 

المصادر:

  • تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول التقاعد 2013 .
  • تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حول التقاعد 2014.
  • تقارير الصندوق المغربي للتقاعد.
  • ميزانية المواطن لسنة 2012-2013-2014-2015.
  • تقري العمل الحكومي 2013-2014 الآثار الأولية و الأفاق المستقبلية.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق